الاثنين، 8 سبتمبر 2014

حكم ختان الإناث

حكم ختان الإناث

المجيب: فضيلة الشيخ/ أحمد بن حسن المعلم
السؤال: لوحظ من خلال الكادر الطبي أن عدداً من الإناث قد تعرضن لمضاعفات نفسية وجسدية جراء تعرضهن للختان، الأمر الذي تطلب منا البحث عن مشروعية ممارسة هذه الظاهرة في المجتمع. أفيدونا مشكورين. والله يرعاكم؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد ورد إلي سؤال عن حكم ختان الإناث، يزعم السائل فيه أن عدداً من الإناث قد تعرضن لمضاعفات نفسية وجسدية جراء تعرضهن للختان، وبناءً على ذلك فإنه يسأل عن مشروعية ممارسة هذه الظاهرة في المجتمع.
وأقول مستعيناً بالله: إن الختان -بشكل عام للذكر والأنثى- ليس بظاهرة، وإنما سنة من سنن الفطرة كما صح بذلك الحديث، وأخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ولفظه: «الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط». والفطرة هي الطبيعة السليمة التي لم تشب بعيب، كما قال الله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الرُّوم:30] قال البيضاوي رحمه الله: "وهي السنة القديمة التي اختارها الأنبياء واتفقت عليها الشرائع، وكأنها أمر جبلي فطروا عليه" [نقله عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/339)، وأقره عليه دون تعقيب].
وقد ابتدأها إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام كما ثبت في صحيح البخاري ومسلم؛ ولذلك فقد بقي في ذريته كما هو معروف عند العرب واليهود. بل إن أمة العرب تعرف بأنها أمة الختان كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل عند البخاري وغيره، وفيه: «إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم أن ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم أتى هرقل برجل من غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب. فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر».
إذن فأمة العرب أمة الختان المأخوذ عن إبراهيم عليه السلام، وليس الختان فيها مقتصراً على الرجال، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل». فالختان عند العرب عام في الرجال والنساء، وكان هناك خاتنات مشتهرات بذلك، ففي البخاري في قصة غزوة أحد أن حمزة رضي الله عنه قال لسباع بن عبدالعزى: «يا ابن أم أنمار مقطعة البظور» قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/396): "قال ابن إسحاق كانت امرأة ختانة بمكة تختن النساء"، وفي المدينة كانت أم عطية كما في حديثها المشهور الذي حسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (722)، وإن كان قد خالفه بعضهم فضعفه، فإن الوقائع تثبت بأقل من ذلك بكثير كما هو معروف عند أهل التاريخ والأدب، وإن لم يثبت حكم شرعي، لكن المطلوب إثبات أن عادة الختان مشهورة عند العرب، وجاء الإسلام فأكد ذلك بجعله من سنن الفطرة، وعلى ذلك جرى الصحابة وفقهاء المذاهب الإسلامية ما بين قائل بالوجوب وقائل بالسنية، وقد أورد الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (2/357-358) عدداً من الآثار تؤكد ذلك، وتبين اعتناء الصحابة به، كأثر عثمان وعائشة رضي الله عنهما والحسن البصري -رحمه الله-.
قال ابن القيم رحمه الله: "فالختان للحنفاء بمنزلة الصبغ والتعميد لعباد الصليب، فهم يطهرون أولادهم بزعمهم حين يصبغونهم في المعمودية، ويقولون: الآن صار نصرانياً. فشرع الله سبحانه للحنفاء صبغة الحنيفية، وجعل ميسمها الختان، قال تعالى: {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138].
إذن فالختان موافق للفطرة الإنسانية، والهوية الدينية الحنيفية، والانتماء القومي العربي، مخالفاً بذلك شعار النصارى والأمم الوثنية الأخرى، فلا يليق بنا أن ندع صبغة الله وفطرة الإنسان وشعار الملة، ونتابع في ذلك أعداءنا على شعارهم وصبغتهم.
وللختان فوائد معروفة وحكم ظاهرة وخفية، وحسبك آخر ما كشفته دراسات مرض الإيدز، التي تقرها منظمة الصحة العالمية، ويتحدث بها الخبراء في مكافحة الإيدز، والتي تثبت أن ختان الذكور يخفض الإصابة بمرض الإيدز بنسبة (64%)، وأما ختان الإناث فلم أطلع على دراسة منصفة له، ولعل ذلك راجع إلى أن الغربيين يحاربونه، فلا يحبون أن تظهر له أية فوائد، ومع ذلك فقد ذكر العلماء المسلمون أن ختان المرأة يعدل من شهوتها إذا فعل بالطريقة الشرعية الصحيحة.
وأما المضار التي ذكرها السائل فهي غير حقيقية، ولا جديرة بأن تكون سبباً لمحاربة عمل قد قالت مذاهب بوجوبه، وقالت أخرى بسنيته، إذ إن الأضرار المزعومة طبيعية في مثل هذا الحال، فإذا كان ملايين النساء يختتن ثم ظهر الضرر على عشرات أو مئات منهن، فما ذاك بمسوغ لإلغاء الختان، إذ تلك النسبة الضئيلة يمكن حصولها في كثير من الجراحات الطبية وحتى في ختان الذكور، فهل ينبري من يحارب العمليات الجراحية بزعم أن عدداً من الناس تضرروا منها؟!
وأوضح من ذلك نقل الدم الذي لم يقل أحد بوجوبه، ولم يأت نص خاص بسنيته، فإنه قد ثبت أن آلافاً وربما ملايين الأشخاص تسبب لهم نقل الدم في الإصابة بمرض الإيدز، فهل نحرم ونمنع نقل الدم، أم نعمل على أن يكون نقله بطريقة صحيحة آمنة من الأضرار؟
ثم عبر القرون الطويلة، منذ زمن إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا، وختان الإناث يجري لملايين النساء، مع التخلف الواضح في استخدام أدواته، ولم تبرز مشكلة الأضرار المترتبة عليه إلا عندما تبنت منظمات الأمم المتحدة في هذا العصر محاربته، مع القدرة الفائقة على التغلب على تلك الأضرار لو أرادوا، فبماذا نفسر ذلك؟!
إن الواجب هو أن ندعو لمحاربة الختان الفرعوني المخالف للشرع والفطرة، والذي تحققت مضاره بالاتفاق وهو غير موجود في بلادنا مطلقاً، ومن قال إنه موجود فعليه البرهان، وأن ندعو إلى ترشيد الختان بين المسلمين بما أرشد إليه الشرع وأقره الطب الحديث، لا أن ندعوا إلى إلغائه بالمرة.
وهناك أمر أخر، وهو أن الاستحباب قد يرتفع إلى الوجوب لعارض، مثل: الخوف من اندثار ذلك المستحب ونسيانه وعدم العمل به، وهذه القاعدة تنطبق على موضوعنا أتم الانطباق، خصوصاً إذا علمنا أن مطالبة المنظمات الدولية بمحاربة الختان يأتي ضمن مجموعة مطالب كلها أو معظمها على الأقل نقض لثوابت دينية وأحكام شرعية معتبرة، فإذا انبرى من المسلمين جماعات، كل جماعة تعين وتساعد على نقض ثابت من تلك الثوابت، فماذا يبقى؟! إذ ما من مسألة إلا يوجد لها من يؤيدها من المنتمين للإسلام اليوم، فإذا فعلنا ذلك كفينا أعداءنا المؤونة، وقمنا عنهم مجتمعين بهدم جانب كبير من جوانب الإسلام.
وبعد هذا المدخل الذي لا بد منه للفتوى، نأتي إلى تلخيص حكم ختان الإناث عند علماء الإسلام:
فعند الحنفية المشهور أنه مكرمة، وهناك أقوال أخرى بأنه سنة. وعند المالكية قولان: الأول أنه مكرمة والثاني أنه سنة.
وعند الشافعية أنه واجب قال النووي -رحمه الله-: "وهو المذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور" وهناك وجه في المذهب بأنه سنة، قال النووي: إنه شاذ.
وللحنابلة قولان: الأول أنه واجب، ولكن ابن قدامة قال: "الختان مكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن" ثم قال: "هذا قول كثير من أهل العلم". وقال ابن القيم رحمه الله: "لا خلاف في استحبابه للأنثى، واختلف في وجوبه".
والذين قالوا بأنه مكرمة في حق النساء لا يخالفون الاستحباب؛ فإن فعل المكارم من أفضل ما يؤمر به، وإنما العار والذم أن يدعى إلى ترك المكارم. فكلام ابن القيم صحيح لا غبار عليه.
وبعد كل ما تقدم أقول:
إن الختان في حق الذكر والأنثى فطرة، وجبلة، ودين، وشعار يميز المسلم عن غيره، فأتباع إبراهيم وذريته هم أهل الختان.
والإسلام أقر تلك الفطرة، والسنة الحنيفية، وأكدها حتى إن بعض علمائه قالوا بوجوبه في حق الذكر والأنثى، وبعضهم قالوا بوجوبه للذكر واستحبابه للأنثى، والبعض الآخر قالوا بسنيته أو استحبابه على الذكر والأنثى، وأهونهم من قال: إنه مكرمة.
فالذين يحاربونه اليوم يحاربون أمراً مجمعاً عليه من علماء الإسلام بالمدح والطلب، لا لشيء جد في المسألة، ولا لسبب اكتشف مطلقاً، وإنما فقط اختلف الحنيفيون عباد الرحمن مع عباد الصليب وتواجه جمعاهما، فكانوا مع جمع عباد الصليب رغبة أو رهبة، أو تقليداً مذموماً وتشبهاً ممقوتاً.
ولو أننا تركنا الأمة على ما درجت عليه عدة قرون من التزام بعضهم بختان الإناث، وترك بعضهم له دون نكير من أحد الطرفين، لو أنا فعلنا ما كان هناك ضير، ولكن أن نتبنى محاربته؛ لأن أعداءنا طلبوا منا ذلك، فهذا الذي لا يجوز، هذا لو اقتصرت مطالبهم به فقط، فكيف وهو حلقة من سلسلة طويلة من المطالب التي تنقض عرى الإسلام.
إن رفض مطالبهم تلك جميعها -إلا ما ثبت أنه من صميم الإسلام- هو الواجب على علماء المسلمين ودعاته بل على حكام المسلمين وسائر الشرائح المسلمة.. والله تعالى أعلم.
المصدر: نقلاً عن مجلة المنتدى العدد (101) جمادى الآخرة 1427هـ - يوليو 2006م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.