الخميس، 4 سبتمبر 2014

رحمة الله الواسعة

اعلموا إن الله عز وجل قد كتب على نفسه الرحمة وأوجبها على نفسه العلية. تلك الرحمة التي شملت من عمل السيئات ثم عاد إلى الله وعمل صالحًا.
قال سبحانه: ﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعَام: 54].

وما دام أن العبد قد تاب وعاد، وأصلح العمل، فحينها يتفضل الله على عبده بالرحمة الواسعة التي قد وسعت كل شيء، كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة". إلا أن تلك الرحمة قد شملت الخلائق أجمعين؛ من حلمه على عباده ورزقه إياهم، وتوفيقه لهم في أمور معاشهم ودنياهم، وغير ذلك مما يدل على فضله الواسع ورحمته البالغة، إنها رحمة عظيمة أعظم من رحمة الأم بولدها، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
"قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغي؛ إذا وجدت صبيًا في السبي؛ أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟. قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعباده من هذه بولدها".

وفي هذا بشارة واضحة وجلية بسعة رحمة رب العالمين جل وعلا، وأنها دومًا تسبق وتغلب غضبه، رغم أنه الملك الجبار القاهر فوق عباده والقادر على كل شيء، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"قال الله عز وجل سبقت رحمتي غضبي، لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي"..

ولهذا جاء في القرآن ما يجلي لنا ذلك ويؤكده فقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿ نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ﴾ [الحِجر: 49-50].
وتأمل يا رعاك الله في هذه الآية الكريمة كيف قدم ربنا - تبارك وتقدس - المغفرة والرحمة على العذاب الأليم، ثم إن الله وصف نفسه المقدسة بأنه غفور رحيم ولم يقل أنا الجبار المنتقم أو غير ذلك مما يوحي بشدة غضبه على من خالفه وعصاه عدلا منه وحكمة، بل قال سبحانه: ﴿ نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحِجر: 49].
بينما الألم والانتقام والشدة والبأس نسبه الله إلى العذاب وجعله وصفا لعذابه فقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ﴾ [الحِجر: 50].
وهذا يدل على سعة رحمة الله، وأن عفوه أعجل وأسبق من بطشه وانتقامه.
(اللهم إنك عفوٌ كريمٌ تحب العفو فاعف عنا)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.