الاثنين، 8 سبتمبر 2014

مذاهب العلماء في مسألة الصلاة بغير العربية

مذاهب العلماء في مسألة الصلاة بغير العربية
اعلم أن الصلاة أصلها في اللغة: الدعاء، لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أي ادع لهم.
وفي الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائماً فليصلّ، وإن كان مفطراً فليطعم" رواه مسلم، أي ليدع لأرباب الطعام.

وفي الاصطلاح: قال الجمهور: هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وقال الحنفية: هي اسم لهذه الأفعال المعلومة من القيام والركوع والسجود.
وللصلاة مكانة عظيمة في الإسلام. فهي آكد الفروض بعد الشهادتين وأفضلها، وأحد أركان الإسلام الخمسة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" رواه البخاري، وقد نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركها إلى الكفر فقال: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" رواه مسلم، وعن عبد الله شقيق العقيلي قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. فالصلاة عمود الدين الذي لا يقوم إلا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وهي أول ما يحاسب العبد عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر" رواه الترمذي كما أنها آخر وصية وصَّى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقته الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة وما ملكت أيمانكم" رواه ابن ماجه، وهي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدّين كله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة". رواه أحمد.
كما أنها العبادة الوحيدة التي لا تنفك عن المكّلف، وتبقى ملازمة له طول حياته لا تسقط عنه بحال.
وقد ورد في فضلها والحث على إقامتها، والمحافظة عليها، ومراعاة حدودها آيات وأحاديث كثيرة مشهورة.
فأقوال الصلاة منها القرآن وغيره، ومنها الفرض والمستحب، والخلاف بين أهل العلم في ترجمة كل طويل.
فالقراءة بغير العربية ممنوعة عند جمهور العلماء المالكية والشافعية والحنابلة، سواء أحسن القراءة بالعربية أم لم يحسن؛ لأن الله عز وجل أمر بقراءة القرآن فقال: فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ[المزمل:20].
والقرآن هو المنزل بلغة العرب. قال ابن قدامة في المغني: ولا تجزئه القراءة بغير العربية ولا إبدال لفظها بلفظ عربي، سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك. وقال بعض أصحابه: إنما يجوز لمن لم يحسن العربية. اهـ
وأوجب هؤلاء على المكلف تعلم الفاتحة ولو بالرحلة، فإن عجز عن تعلمها اختلفوا في فرضه، فمنهم من أوجب عليه الائتمام بغيره ممن يحسنها، وهذا مذهب المالكية، ومنهم من أوجب عليه البدل من القرآن أو الذكر، وجوز الشافعية ترجمة الذكر الذي يقال بدلاً من الفاتحة.
وذهب أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة إلى أن المصلي إن كان يحسن العربية لم يجز له أن يقرأ القرآن بغيرها، وإن كان لا يحسن يجوز. وقد كان الإمام أبو حنيفة-رحمه الله- يرى جواز القراءة بالفارسية، ولكنه رجع عن هذا القول إلى قول صاحبيه.
وأما التكبير والتشهد وأذكار الصلاة، فلو كبر المصلي بغير العربية ذهب أبو حنيفة إلى جواز فعله مطلقًا، واشترط الجمهور للتكبير بغير العربية العجز عن العربية بعد تعلمها.
واختلف المالكية فيما لو عجز عن التكبير بالعربية، فمنهم من وافق الشافعية والحنابلة في ترجمته، ومنهم من قال بسقوطه.
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: ولا يجزئه التكبير بغير العربية مع قدرته عليها، وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة: يجزئه. اهـ
وأما التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوزان بغير العربية للعاجز عنها، ولا يجوزان للقادر، هذا مذهب الشافعية.
وأما المالكية فظاهر مذهبهم كراهة ذلك للقادر على العربية، وجوازه للعاجز كما قال الخرشي في شرحه لمختصر خليل ، قال: وكره كما في المدونة دعاء في الصلاة وإحرام وحلف بعجمية لقادر على العربية، ولا بأس أن يدعو بها في غير الصلاة ومفهومه الجواز للعاجز. اهـ
وأما السلام فإن عجز عن العربية جاز له السلام بغيرها. وأما الدعاء بغير العربية في الصلاة فالمنقول عن الحنفية الكراهة، وهذا ما يفهم من مذهب المالكية كما في النقل السابق عن الخرشي.
وقد فصل الشافعية الكلام، فقالوا: الدعاء في الصلاة إما أن يكون مأثورًا أو غير مأثور، أما الدعاء المأثور ففيه ثلاثة أوجه: أصحها - ويوافقه ما ذهب إليه الحنابلة - أنه يجوز بغير العربية للعاجز عنها ولا يجوز للقادر. وأما الدعاء غير المأثور في الصلاة فلا يجوز اختراعه والإتيان به بالعجمية قولاً واحدًا.
هذا تفصيل مذاهب العلماء في مسألة الصلاة بغير العربية. والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.