الاثنين، 27 أكتوبر 2014

هل يجوز أداء صلاة الرواتب والنوافل في السيارة

الجواب :
الحمد لله ثمة مسائل ثلاثة هنا : 
الأولى : صلاة النافلة في السيارة جالساً ولغير اتجاه القبلة في السفر .
 الثانية : صلاة النافلة في السيارة الواقفة جالساً باتجاه القبلة في الحضر .
 الثالثة : صلاة النافلة في السيارة السائرة جالساً ولغير اتجاه القبلة في الحضر . 

والمسألة الأولى والثانية محل اتفاق بين الفقهاء على الجواز ، والمسألة الثالثة خلافية . وهذا بيانها – باختصار - : أما المسألة الأولى : فقد ثبت في السنَّة الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى نافلة على راحلته في السفر حيثما توجهت به ، فسقط شرط الاتجاه للقبلة ، وسقط ركن القيام ، لكنَّ ذلك مشروط بأن تكون صلاة نافلة ، وأن يكون ذلك في السفر ، كما سبق . وعليه : فمن كان مسافراً راكباً في سيارة : فله أن يصلي الضحى – أو غيرها من النوافل – في أي اتجاه سارت تلك السيارة ، يومئ في ركوعه وسجوده ، ويجعل إيماءه في سجوده أخفض من إيمائه في ركوعه . عَن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ ) رواه البخاري ( 1043 ) ومسلم ( 540 ) . عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِى السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاَةَ اللَّيْلِ ، إِلاَّ الْفَرَائِضَ ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ) رواه البخاري ( 955 ) ومسلم - نحوه - ( 700 ) . وهي مسألة إجماعية . ففي " الموسوعة الفقهية " ( 27 / 228 ) : " اتفق الفقهاء على أنه يجوز للمسافر صلاة النفل على الراحلة حيثما توجهت به " انتهى . 
 وأما المسألة الثانية : فإنه لا خلاف بين العلماء – أيضاً - في جواز صلاة النافلة في الحضر ، جالساً ، باتجاه القبلة مع القدرة على القيام ، وأن للمصلي على هذه الهيئة نصف أجر المصلي قائماً . قال ابن قدامة – رحمه الله - : " لا نعلم خلافاً في إباحة التطوع جالساً ، وأنه في القيام أفضل ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ ) متفق عليه – رواه البخاري ( 1064 ) فقط - ، وفي لفظ مسلم – ( 735 ) - ( صَلاَةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاَةِ ) " انتهى " المغني " ( 1 / 811 ) . وعليه : فمن صلَّى الضحى – أو غيرها من النوافل أو الرواتب – في سيارته الواقفة جالساً في الحضر ، وكان اتجاه السيارة إلى القبلة – أو استطاع هو أن يتجه إلى القبلة - : فإنه لا حرج عليه لو صلَّى على تلك الحال بالاتفاق ، ولا فرق بين أن يصلي جالساً – والحالة هذه – في سيارة أو في بيت أو مسجد ، وله أن يومئ في الركوع ، كما يفعل في صلاته جالساً فيما ذكرناه من تلك الأماكن ، فحكم السيارة الواقفة حكم الأرض ، ولا يسقط عنه شرط الاتجاه إلى القبلة . ويكون للمصلي في تلك الحال نصف أجر صلاة القائم كما سبق ذِكره في الحديث الصحيح . وأما المسألة الثالثة : هل يجوز الصلاة في السيارة السائرة جالساً لغير اتجاه القبلة في الحضر ، كما هو الحال في السفر ، أم إن تلك الحال للمصلي لا تصلح إلا في السفر ؟ قولان للعلماء: 
القول الأول : عدم الجواز ، وهو قول الجمهور . القول الثاني : الجواز ، وذهب إلى هذا القول أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة ، وأبو سعيد الاصطخري من الشافعية ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وهو قول الطبري والأوزاعي وابن حزم . وقال به من المعاصرين : الشيخ عبد الله بن عقيل ، والشيخ عبد الله بن قعود ، وقال الشيخان عبد الله بن جبرين وعبد الكريم الخضير بالجواز في حال خشي المصلي فوات وقت النافلة ، أو الراتبة . قال الشيخ  ابن تيمية – رحمه الله - : " وأما الصلاة على الراحلة : فقد ثبت فى الصحيح بل استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلِّي على راحلته في السفر قبَل أي وجه توجهت به ، ويوتر عليها ، غير أنه لا يصلِّي عليها المكتوبة . وهل يسوغ ذلك في الحضر ؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 24 / 37 ، 38 ) . وانظر " شرح مسلم " للنووي ( 5 / 211 ) و " المجموع " – له – ( 3 / 212 ) ، و " المحلى " لابن حزم " ( 3 / 56 ) ، و " نيل الأوطار " للشوكاني ( 2 / 149 ) . وتنظر رسالة الشيخ عبد الله بن عقيل حفظه الله التي ألَّفها لهذا المسألة تحديداً وهي بعنوان " تُحْفَةُ اْلقَافِلَةِ فِي حُكْمِ الْصَّلَاةِ عَلَى الْرَّاحِلَة " . فعند هؤلاء العلماء يجوز لمن يركب السيارة السائرة في الشارع أن يصلي فيها الضحى – وغيرها من الرواتب والنوافل – جالساً – ولا يفضَّل ذلك للسائق - ويومئ المصلي في ركوعه وسجوده ، ويكون إيماؤه في سجوده أخفض من إيمائه في ركوعه . والأظهر في ذلك قول الجمهور ، وهو أن صلاة النافلة جالساً ، ولغير القبلة ، إنما هي لمن كان راكباً على الراحلة السائرة ، وفي السفر دون الحضر ، وهو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما يرجحه من المعاصرين الشيخان عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله ، وغيرهما كثير . وينظر جواب السؤال رقم تنبيه : إذا صلى النافلة قاعدا ، وهو قادر على القيام ، فإنه يأتي بالسجود على هيئته على الأرض ، على الأظهر من قولي أهل العلم ، وإنما يسقط عنه القيام ، والركوع تبع له . قال ابن رشد ـ الجد ـ : " محمد بن أحمد : قوله إن القاعد لا يومىء بالسجود إلا من علة ، يريد في الفريضة ، صحيح لا اختلاف فيه ، لأن السجود فرض كالقيام ، فلا يسقط عنه إلا بعدم القدرة عليه . وإنما قال : إن له أن يومئ في النوافل من غير علة لما جاء من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى قائماً فهو أفضل ، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد ) ومعلوم أنه من صلى نائماً فإنه يومئ بالركوع والسجود ؛ فإذا جاز أن يترك القعود والسجود مع القدرة عليهما ، جاز أن يترك السجود دون القعود . وأما قول عيسى إنه لا يومئ في النافلة من غير عذر ولا علة ، بناء على ترك الأخذ بالحديث ، مثل قول مالك في المدونة إنه لا يصلي مضطجعاً إلا مريض ، فلا يجوز ترك الجلوس ولا السجود إلا من علة . ويحتمل : أن يكون لا يجيز الإيماء بالسجود مع القدرة عليه إلا لمن صلى مضطجعاً، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من صلى قاعداً فله نصف أجر صلاة القائم ) ؛ فكان معناه عند أهل العلم جميعاً : من صلى قاعداً وساجداً ؛ إذ لم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحداً من سلف الأمة ، ترك السجود في صلاة النافلة مع القدرة عليه ، كما ترك القيام فيها مع القدرة عليه " انتهى من "البيان والتحصيل" (1/515-516) . وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " جدتي كبيرة في السن ، وربما أتعبها الوقوف في الصلاة ، فتصلى النافلة وهي جالسة على الكرسي ، أما الفريضة فهي تصليها وهي واقفة ، وتؤدي ركوعها وسجودها على الوجه الكامل ، والسؤال : هل تأثم بالجلوس على الكرسي ؟ وإذا كانت لا تأثم ، فهل الأفضل في الصلاة أن تصلى على الأرض ، أم على الكرسي ؟ مع العلم بأن الكرسي أروح لها ؟ فأجاب : " أما بالنسبة لصلاة الفرض فالأمر فيها واضح ، لأنها تؤديها كما ينبغي . وأما بالنسبة للنافلة فإنها إذا كانت تريد أن تصلي جالسة ، فلتجلس على الأرض وتتربع أثناء القيام والركوع ، والقيام بعد الركوع ، ثم تسجد على الأرض وتجلس بين السجدتين مفترشة كالعادة ، فإذا سجدت السجدة الثانية جلست متربعة ؛ لأن التربع يكون في محل القيام ، وهذا بلا شك أفضل من الكرسي ، لأن الكرسي لا تتمكن معه من السجود على الأرض ، فيفوتها السجود ، والسجود إذا أمكن فإنه لا يجوز الإيماء بدلاً عنه . وعلى هذا فنقول : هذه الجدة إذا أرادت أن تتطوع في نافلة الصلاة فلتكن على الأرض ، وتعمل كما قلنا ؛ تتربع في محل القيام قبل الركوع ، وفي حال الركوع ، وفي حال القيام بعد الركوع ، وتفترش في الجلسة بين السجدتين والتشهدين ، وتسجد إلى الأرض " انتهى . والله أعلم
الشيخ محمد صالح المنجد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.