الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

العيد فضائل وأحكام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الأعياد في الشعوب والأمم أيام بذخ وإسراف، ولهو وشهوة، ومجون وتفسخ، وتكبر وغواية، وتعالٍ واستعلاء، بينما الدين الإسلامي الحنيف، صبغ العيدين بصبغة العبادة والتقرب، والتوبة والمراجعة، والتفكر والتأمل، والمتعة والسعادة، والفسحة واللهو المباح، فالعيد في الإسلام شعيرة من الشعائر المهمة، شرعه الله لتستكمل حلقة البر في المجتمع الإسلامي كاملة، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
فالعيد في منهج الإسلام عبادة وعمل، سرور وشكر، بهجة وفرحة، سلوكيات وأخلاق، عفو وإخاء، فالناس يتبادلون التهاني ويتصالحون وتعقد مجالس الحب والتراحم والمودة فتتجدد العلاقات الإنسانية وتقوى الروابط الاجتماعية وتنمو القيم الأخلاقية وتعلو قيمة التآخي والتعاون والبذل والعطاء والجود والكرم والتراحم والتعاطف إلى حد أن تذوب المصالح الشخصية، والمآرب الآنية المؤقتة بدافع الرغبة فيما عند الله تعالى.
ومن الحكم الهامة التي يدلي بها العيد المبارك قضية الترويح على النفس وكيف أنه محافظة على النشاط والتجدد، والعمل والديمومة، وبأنه دفعة روحية مهمة للإنسان، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فاقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (دعهما) فلما غفل غمزتهما فخرجتا»، وفي يوم العيد لعب الحبشة بالحراب والدرق بالمسجد، ورقصوا بها، قالت عائشة: -رضى الله عنها- «سمعت لغطاً وصوت صبيان، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا حبشة تزفن، أي: ترقص والصبيان حولها فقال: يا عائشة تعالي فانظري، قالت: فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة»(1)، قال الحافظ ابن حجر: "وفيه مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم به بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين"(2).
ولذلك يقول الإمام علي -رضي الله عنه-: "اجمعوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان"(3).
ويقول الإمام الغزالي -رحمة الله عليه-: "ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة إراحة للقلب وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملول وهي عن الحق نفور لأنه على خلاف طبعها، فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت وثابت، وإذا روّحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروّح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات"(4).
من هذا يتضح أن ظاهر العيد زينة وتمتع، وباطنه العمل والشكر والمحبة للمنعم المتفضل المنان، وتحويل الأوقات إلى طاعة وهداية، قال الحسن: "كل يوم لا يعصي الله فيه فهو عيد، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه، وذكره، وشكره فهو له عيد"(5).
وتعد الفرحة بالعيد من الشعائر العبادية، التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها فالعيد معيار لمعرفة أخلاق الأمة في كل جوانب الحياة فيها؛ وذلك لأن مجموع الأمة تظهر بعوائدها على حقيقتها في هذا اليوم المشهود، الذي فيه فسحة، فتسموا بأخلاقها وأعمالها إلى أرفع ذروة، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، ويظهر المجتمع المسلم متماسكا متعاونا متراحما متزنا، فتسموا فيه القلوب بالحب والإخاء والبر والصفاء، وتزيل عنها أدران التفرق والشتات، المكتسبة بفعل النفس والشيطان والهوى، ويظهر المجتمع وكأنه لحمة واحدة، وهذا ما أسس له الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما جاء المدينة،عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قال: «قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر»(6)، فما أجمله من عيد وما أجمله من ترويح وسعادة وعمل بما يرضي الله تعالى.
التعريف بالعيد:
ذكر العلماء عدة معاني في العيد يمكن إيجازها بالآتي: قيل أنه يوم مجمع، أي يوم يجتمع فيه الناس في عدة مواقف في صلات العيد وفي زياراتهم ويجتمع الناس في بلدانهم ومناطقهم، وقيل معناه الذي يعود فيه الفرح والسرور(7)، وقيل لأنه يعود ويتكرر لأوقاته، وقيل يعود بالفرح على الناس وقيل سمي عيدا تفاؤلا ليعود ثانية(8)، فمن خلال هذا يتضح أن العيد يوم يفرح فيه الناس جميعا لعدة معاني، أولها على الإطلاق الفرح بتوفيق الله لنا بالتمام والعبادة له جل وعلا، وفيه دفعة روحيه بالاستزادة من المباحات بغرض الطاعة وفيه اجتماع الناس على الخير والعبادة.
التعريف بعيد النحر:
عيد النحر هو اليوم العاشر من ذي الحجة وهو يوم الحج الأكبر(9) المذكور في قوله تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة- آية 3]، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وفيه يعمل الحاج عدة أعمال إكمالاً للحجِّ وتتمة له، ويرى بعض العلماء أنه أفضل أيام السنة على الإطلاق فهو يفضل حتى على يوم عرفة، قال ابن القيم رحمه الله: "خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر»(10).
فضائل عيد الأضحى:
عيد الأضحى يفضل على عيد الفطر بدلالة نصوص الشريعة، فالأضحى عيد تمارس فيه أعمال مشروعة كثيرة أثناء أداء فريضة الحج كالصلاة، والتكبير، ونحر الهدي، وبعض من مناسك الحج، ومن لم يحج وردت أحاديث تحثه على التقرب إلى الله بالأضحية، والذكر، مما يدل على أن عيد الأضحى موسم مبارك للتقرب إلى الله تعالى، وطلب مرضاته، بينما عيد الفطر يخرج المؤمن من فريضة الصوم متحسرا على فوات موسم رمضان العظيم وأيامه، وبهذا يظهر فضيلة عيد الأضحى على عيد الفطر ومما دعانا إلى القول بهذا ما يأتي:
أولاً: بأن يوم الأضحى خير الأيام عند الله:
ما من شيء في هذه الحياة إلا والزمن فيه مرتب إما فاضلا أو مفضولا، فالزمن الذي يتقرب به إلى الله بأحب الأعمال إليه يجعل من اليوم فاضلا، وما أحوجنا أن نعرف الخصوصية التي حضي بها عيد الأضحى، ولا يحق لي أن أطلق الكلام جزافا بل لابد من نصوص تشهد لصحة ما أذهب إليه في التفضيل، وهي موجودة فيما يخص موضوعنا، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر»يقول ابن القيم -رحمه الله-: «خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكب»(11)، والخيرية التي فضل بها عيد الأضحى كما بينت كثرة الأعمال فيه على غيره.
ثانياً: أنه يوم الحج الأكبر:
الكبير لا يكون كبيرا إلا بتكبير الله له، والأعمال التي يقوم بها الحاج في هذا اليوم كثيرة نوجزها بما يلي: "رمي جمرة العقبة، النحر، الحلق أو التقصير، الطواف، السعي" وكثرة هذه الأعمال تدل على فضل هذا اليوم؛لان المعيار في التقييم لأي شيء في الحياة، ما يقرب من الله، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال وقف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج وقال: «هَذَا يوم الحج الأكبر»(12).
ثالثاً: أنه يوم عيد المسلمين:
يحتاج المسلمون إلى أيام يستروحون فيها من كلف العبادة، وتكون في نفس الوقت مرضية لله تعالى وهذا لا يكون إلا في أيام الأعياد، فيوم العيد يوم فرح وسرور ويوم عباده وتقرب وذكر لله، قال صلى الله عليه وسلم: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب»(13)، وفي حديث عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل»(14).
رابعاً: أن عيد الأضحى يتواصل فيه العمل بما بعده:
إن مما يميز عيد الأضحى على عيد الفطر أنه تلحق به أيام فاضلة نبينها كالتالي:
1- يوم القر(15):
في هذا اليوم ما يزال الحاج يؤدي فيه بعض المناسك، وما يزال العبد المؤمن يتقرب إلى الله في هذا اليوم بالذكر والعبادة، ويواصل العمل بالعمل ويداوم عليه إلى انتهاء أيام التشريق، ولقد جاء في فضله حديث شريف قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ».
2- ثلاثة أيام التشريق:
أيام التشريق أيام عبادة وذكر، فالناس يذكرون الله ويواصلون العبادة حتى يرحم الله من شاء منهم، عن نبيشة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم فقد جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل»(16) ولأهميتها أفردت لها بحثا خاصاً.
حكم صلاة العيد:
للعلماء الأفاضل في حكم صلاة العيد مذاهب مأخوذة من الكتاب والسنة بحسب الفهم والإدراك للنصوص نبينها على النحو التالي:
القول الأول: ذهب جمع من العلماء إلى وجوبها وهذا مذهب الأحناف واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليها ولم يتركها ولا مرة واحدة، واحتجوا بقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]. أي صلاة العيد والنحر بعده، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بإخراج النساء من البيوت لشهودها.
القول الثاني: ذهب الحنابلة إلى أنها فرض كفاية.
القول الثالث: وذهب فريق ثالث إلى أن صلاة العيد سنة مؤكدة وهذا مذهب المالكية والشافعية.
والقول الذي أراه راجحا: أنها فرض كفاية خاصة وان المسلمين في هذا الزمان يحتاجون لان يظهروا شعائر الإسلام و ينبغي على المسلم أن يحرص على حضورها وشهود الخير والبركة والأجر العظيم والإقتداء بالنبي الكريم وفي حشد المسلمين رجالاً ونساء وصبياناً في مصليات العيد تعظيم لهذه الشعيرة،وإظهار لهذه المناسبة،واحتفال شرعي عظيم بهذا اليوم المبارك.
وقت صلاة العيد:
جمهور العلماء على أن وقت العيدين يبتدئ عند ارتفاع الشمس قدر رمح(17) تقريباً، وبحسب الرؤية المجردة ويمتد وقتها إلى ابتداء الزوال ووقتها كصلاة الضحى لحديث عبد لله بن بسر -رضي الله عنه- حينما أنكر إبطاء الإمام وقال: «إن كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك وقت ابتداء صلاة الضحى»(18).
والعيدان يثبتان بالرؤية وليس بالحساب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين ليلة»(19).
صفة صلاة العيد:
صلاة العيد مثل غيرها من الصلوات غير أنه ورد في صفتها أمور تختلف فيها عن غيرها من الصلوات نبينها على النحو التالي:
أولا: تؤدى الصلاة قبل الخطبة: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أشهد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صلى قبل الخطبة فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن ومعه بلال ناشر ثوبه فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تلقي. وأشار أيوب إلى أذنه وإلى حلقه»(20)،عن أبي سعيد -رضي الله عنه-: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإذا كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال: يا أبا سعيد قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلنها قبل الصلاة»(21).
ثانيا: تصلى ركعتين، قال عمر -رضي الله عنه-: «صلاة العيد والأضحى ركعتان ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى»(22).
ثالثا: تقام صلاة العيد بدون أذان ولا إقامة ولا نداء لها، ولو أدرك المأموم إمامه أثناء التكبيرات الزوائد يكبر مع الإمام ويتابعه ولا يلزمه قضاء التكبيرات الزوائد لأنها سنّة وليست واجبة.
رابعا: وأما ما يُقال بين التكبيرات، فعن ابن مسعود قال: «يقول الله أكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعو الله، ثم يكبر ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-»(23)، وهذه التكبيرات الزوائد سنة، وليست بواجب، وإن زاد في بعضها أو نقص صح ذلك، ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
خامسا: التكبير بعد تكبيرة الإحرام سبعاً، وفي الثانية خمساً زيادة على تكبيرة القيام، والقراءة بعدهما كلتيهما، عن عروة عن عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-«كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمسا»(24)، وعن عبد الله بن عمر أنه قال: «شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة قال مالك وهو الأمر عندنا قال مالك في رجل وجد الناس قد انصرفوا من الصلاة يوم العيد إنه لا يرى عليه صلاة في المصلى ولا في بيته وأنه إن صلى في المصلى أو في بيته لم أر بذلك بأسا ويكبر سبعا في الأولى قبل القراءة وخمسا في الثانية قبل القراءة»(25).
سادسا: القراءة في صلاة العيد: يستحب أن يقرأ الإمام في صلاة العيد بـ (ق) و (اقتربت الساعة)، عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ فقال: «كان يقرأ فيهما بق والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر»(26)، وأكثر ما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في العيد بسبح والغاشية كما كان يقرأ بهما في الجمعة فقد جاء عن النعمان بن بشيرَ: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضا في الصلاتين»(27).
سابعا: المسبوق يكمل صلاته بعد سلام الإمام بكامل هيئتها، وإن جاء في الركعة الأولى أو الثانية ووجد الإمام شرع في القراءة
ثامنا: تصلى ركعتا تحية المسجد إذا كان المصلي لصلاة العيد في المسجد،لما جاء من حديث عن أبي قتادة السلمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس»(28).
صفة الخطبة:
في صفة خطبة العيد أقوال للعلماء منهم من يجعلها خطبة واحدة ومنهم من يقيسها على خطبتي الجمعة وقياسها على خطبتي الجمعة أراه الراجح من أقوال العلماء، قال ابن قدامة -رحمه الله- فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك، ويفارق خطبتي الجمعة في أربعة أشياء.. ثم ذكر المواطن.(29)
مشروعات وأعمال العيد:
جعل الله المناسبات للمؤمنين دفعة روحية ومادية تدفع المؤمن للأعمال وتبعده عن السآمة والملل والعيد موسم فرح وسرور للمؤمن بفوزه بإكمال طاعة ربه ورجاء مغفرته، كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه والصورة العملية للفرحة بالعيد على ما يأتي:
أولا: الفرح بالعيد والتوسعة على العيال:
التوسعة على العيال من الأمور المشروعة وخاصة في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وإظهار السرور في ا لأعياد من شعائر الدين وإظهار الفرحة مما ورد به شرعنا الحنيف ودليل ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فاقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا»(30)، وفي رواية لمسلم: «تغنيان بدف»(31)، ودليله حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «عن عروة عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بدفين فانتهرهما أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهن فإن لكل قوم عيدا دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بدفين بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، وجاء أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "دعهما يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا»(32)، و في يوم العيد في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعب الحبشة بالحراب والدرق بالمسجد، ورقصوا بها، قالت عائشة: -رضى الله عنها- «سمعت لغطاً وصوت صبيان، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم-: فإذا حبشة تزفن، أي: ترقص والصبيان حولها فقال: يا عائشة تعالي فانظري، قالت: فأقامني وراءه، خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة»(33)،قال الحافظ ابن حجر: وفيه مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم به بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين.
ثانيا: التهيؤ للصلاة:
صلاة العيد من أعظم الشعائر والتهيؤ لها مما ينبغي الاشتغال به في يوم العيد والخروج إليها مبكر اً أمر مهم، قال الحافظ ابن حجر: "هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن لا يفعل شيء غيرها، فاقتضى ذلك التبكير إليها"(34).
ثالثا: الغسل والزينة والتجمل للعيد:
يستحب الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب للعيد، وذكر النووي -رحمه الله- اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد،فعن عبد الله بن عمر، قال: «أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق، فأتى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ابتعْ هذه تجملْ بها للعيد وللوفود»(35)، وبوّب عليه الإمام البخاري بقوله: باب في العيدين والتجمل فيه.
رابعاً: الصوم وعدم الأكل حتى يأكل من الأضحية:
يستحب لمن أراد أن يضحي في يوم الأضحى أن يخرج إلى صلاة العيد ولا يأكل شيئاً حتى يصلي ثم يذبح أضحيته فيأكل منها، قال ابن قدامة: ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم(36)، ومما يدل على ذلك ما جاء في الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي»(37).
خامساً: التبكير في الخروج لصلاة العيد:
من السنة التبكير بصلاة عيد الأضحى، وينبغي ألا يُفْعلَ قبلها شيء غيرهاَ، وما سواها من أعمال البرِّ فيكون بعد أدائها، ومما يشتغل به التكبير والذكر والدعاء في الذهاب وحال انتظار الصلاة، لقول الله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148] ولقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي»(38).
والعيد من أعظم الخيرات وقد بوب البخاري في صحيحه باب التبكير إلى العيد ثم ذكر حديث البراء -رضي الله عنه- عن البراء قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال: «إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل فقد أصلب سنتنا»(39).
سادساً: المشي إلى المصلى:
كلما كان قصد المؤمن الحصول على ثواب أكثر عمل على الأخذ بالعزيمة وأصاب السنة فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: «من السنة أن يأتي العيد ماشيا»(40) وقال: "والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل ماشيا.." قال ابن المنذر -رحمه الله-: "المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شيء على من ركب" ويقول ابن القيم -رحمه الله-: "وكان -صلى الله عليه وسلم- يخرج ماشيا".
سابعاً: التكبير يوم العيد:
يشرع التكبير من فجر يوم عرفه إلى عصر آخر أيام التشريق و هو الثالث عشر من ذي الحجة، قال الله سبحانه و تعالى ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة:203 ]، وعن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجتهد بالتكبير حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يخرج الإمام(41) عن الزهري قال: «كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى وحتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام سكتوا فإذا كبر كبروا»(42).
ثامناً: التهنئـة بالعيـد والزيارات:
من الحفاوة بالعيد تبادل التهنئة به والزيارات للأقارب والأرحام، فإنه يشرع تهنئة المسلم بالنعمة الحادثة والعيد كذلك، عن جبير بن نفير، قال: «كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض، تُقُبِّل منا ومنك»(43)، والأمر في عبارات التهنئة واسع فمن التهنئة، عيد مبارك، أو تقبل الله طاعتكم وصيامكم، ونحو ذلك فكلها حسنة أو بارك الله لكم عيدكم يا أهل الإســلام، وأتمّه على المسلمين بالقبول والمغفرة والرضوان.
تاسعاً: الصلاة في مصلى العيد:
من السنة الصلاة في مصلى العيد إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً فيصلي في المسجد لفعل الرسول -صلى الله عليه و سلم- عبن عبس سمعت ابن عباس رضي الله عنهما: «قال له رجل شهدت الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم ولولا مكاني منه ما شهدته يعني من صغره أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت ثم خطب ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال ثم أتى هو وبلال البيت»(44).
عاشراً: استحباب حضور الخطبة:
حضور خطبة العيد من الأمور المسنونة، ولا يحرج على من لم يحضر الخطبة لحديث، عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العيد فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب»(45).
حادي عشر: الذهاب من طريق والعودة من آخر:
الذهاب من طريق والعودة من طريق من الأمور التي حث عليها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ف عن جابر ابن عبد الله -رضي الله عنهما-: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق»(46).
وذلك لحكم عديدة قال بها العلماء نذكر منها: قيل ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ، وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين،وقيل لإظهار ذكر الله، وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه، وقيل ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه وليصل رحمه، قال ابن القيم -رحمه الله -: "وكان -صلى الله عليه وسلم- يخرج ماشيا، وكان -صلى الله عليه وسلم- يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب من طريق ويرجع من آخر قيل ليسلم على أهل الطريقين، وقيل لينال بركته الفريقان، وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة ا لإسلام وأهله، وقيام شعائره، وقيل لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطواته ترفع درجة وتحط خطيئة، حتى يرجع إلى منزله، وقيل وهو الأصح إنه لذلك كله"(47).
الثاني عشر: ذبح الأضحية:
الأضحية من مشروعات يوم النحر و تكون بعد صلاة العيد، لقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم-: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، و من لم يذبح فليذبح»(48)، و وقت الذبح أربعة أيام العيد: يوم النحر و ثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «كل أيام التشريق ذبح»(49) ولأهمية الموضوع وحاجت الناس له أعددت له بحثا خاصا.
مسائل وأحكام في يوم العيد:
المسألة الأولى: حكم الاستماع لخطبة العيد:
الرخصة في الانصراف أثناء الخطبة لمن أراد: فعن عبد الله بن السائب قال: شهدت العيد مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى الصلاة قال: «إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب»(50)، وقال النووي رحمه الله: ويستحب للناس استماع الخطبة، وليست الخطبة ولا استماعها شرطاً لصحة صلاة العيد، لكن قال الشافعي: لو ترك استماع خطبة العيد أو الكسوف أو الاستسقاء أو خطب الحج أو تكلم فيها أو انصـرف.(51)
المسألة الثانية: المبالغة في تأخيرها:
الإبطاء في التأخير في صلاة العيد ليس من الأمور المشروعة، فالعبادة كلما بودر بها في أول الوقت كان أفضل خاصة وأن المصلي يريد أن يشتغل بنحر الأضحية، ولقد خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام فقال: «إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح»(52).
المسألة الثالثة: صلاة ركعتين في مصلى العيد:
من الخطأ صلاة ركعتين في مصلى العيد تحية للمصلى مع انه لم يرد في هذا شيء، أما إذا صليت صلاة العيد في المسجد تؤدي تحية المسجد نافلة قبل صلاة عن ابن عباس -رضي الله عنه-: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما»(53).
المسألة الرابعة: قضاء صلاة العيد:
من العلماء من يقول بقضاء صلاة العيد ومنهم من يقول بعدم القضاء على اختلا فهم في حكمها،فمن قال بوجوبها قال بوجوب القضاء، قربة من القربات التي يستحسن قضاؤها بفواتها وتقضى ومن فاتته يقضيها إلى الزوال، وقال بعضهم يقضيها يوم الثاني من نفس الوقت.
المسألة الخامسة: صيام يوم العيد:
يحرم صوم يومي العيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صومين يوم الفطر ويوم الأضحى»(54).
المسألة السادسة: شهود النساء صلاة العيد:
العيد من الشعائر التي يظهر فيها قوة المسلمين في جميع الجوانب، وشهود النساء صلاة العيد يبعث في النفوس العظمة التي كرم الله بها الرجل والمرأة على السواء في العبادات التي تتناسب معهما جميعا، عَن حفصة قالت: «كنا نمنع عواتقن(55) أن يخرجن في العيدين فقدمت امرأة فنزلت قصر بني خلف فحدثت عن أختها وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة وكانت أختي معه في ست قالت كنا نداوي الكلمى ونقوم على المرضى فسألت أختي النبي صلى الله عليه وسلم أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا نخرج؟ قال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين، فلما قدمت أم عطية سألتها أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت بأبي نعم وكانت لا تذكره إلا قالت بأبي سمعت يقول: يخرج العواتق وذوات الخدور أو العواتق ذوات الخدورِ(56) والحيض(57) وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى. قالت حفصة فقلت الحيض؟ فقالت أليس تشهد عرفة كذا وكذا»(58).
المسألة السابعة: الزينة للنساء:
يلاحظ النساء تتزين في أيام العيد، وتظهر المحاسن فيها، فإذا أرادة أن تخرج إلى المصلى مما يلزمها الابتعاد عن الزينة إذا خرجن لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة فعليها الالتزام بآداب الإسلام، عن عبد الله ابن المبارك أنه قال: أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها (الخلقان) ولا تتزين فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها عن الخروج (59) عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: «لو أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل قال فقلت لعمرة أنساء بني إسرائيل منعن المسجد؟ قالت نعم»(60).
المسألة الثامنة: خروج الصبيان:
من التنشئة الإسلامية المباركة تعويد الأطفال على حضور مجامع المسلمين للتدرب على الطاعة والعبادة وشهود مواطن الفرحة حتى ويتعامل الصغار مع الكبار بالعطف والاحترام فيكون ادعى لهم للحفاظ على ما جاء من الله وبلغه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- «خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب، وبوّب عليه البخاري فقال: باب خروج الصبيان إلى المصلّى»(61).
المسألة التاسعة: اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد:
إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد، لحديث أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اجتمع في يومكم هذا عيدان؟ فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون»(62)، لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء، ومن لم يشهد العيد، وتجب على الصحيح من أقوال العلماء صلاة الظهر على من تخلف عن الجمعة لحضوره العيد، والأولى أن يصلي العيد والجمعة طلبا للفضيلة، وتحصيلا لأجريهما.
وتلخيص مذاهب العلماء في اجتماع العيد والجمعة ثلاثة مذاهب:
1- قال جمع الفقهاء تجب الجمعة بعد العيد.
2- تجب على الإمام فقط، لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه أبي هريرة رضي الله عنه: «اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون»، وقد روي مثل ذلك عن ابن عمر وابن عباس.
3-لا تجب الجمعة على كل من صلى العيد، الإمام وغيره.
4- المذهب الذي أراه راجحا: أن الجمعة لا تجب لحصول اجتمع الناس فيه وهي رخصة من الله، والله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه،ولحديث إياس بن أبي رملة الشامي قال: «شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعـم. قال: فكيف صنع؟ قـال: صلى العيـد، ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليجمع»(63).
بعض المخالفات في أيام العيد:
هناك بعض المخالفات يقع فيها بعض المسلمين في ليالي العيد وأيامه هذه بعضها:
1- اجتماع الناس في العيد على الغناء واللهو والعبث وتحويل النعمة إلى نقمة،وتجر الإنسان في نهاية المطاف إلى المعاصي وهذا لا يجوز لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-: «إن من أمتي أقواما يستحلون الحرى والحرير والمعازف» وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم -يعني الفقير- لحاجة فيقولوا ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة»(64) ولكون الغناء في زماننا اصبح شعارا للفساق ولمن لا خلاق لهم.
2- كثرة تبرج النساء، وعدم تحجبهن وحري بالمسلمة المحافظة على شرفها وعفتها أن تحتشم، وتستر، لأن عزها وشرفها في دينها وعفتها وأما اختلاط النساء بالرجال سافرات، كاسيات، عاريات، مائلات، مميلات فهذا لا يجوز بمؤمنة اتخذت الإسلام منهجا وحياة، وقد توعد هذا الصنف بأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»(65).
3- الإغراق في المباحات من لبس وأكل وشرب حتى تجاوزوا الأمر إلى الإسراف والتبذير في ذلك، وهذا منهي عنه وتوعد الله فاعله، قال تعالى: ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
4- بعض الناس يتهاون في أداء صلاة العيد، ويحرم نفسه الأجر فلا يشهد الصلاة، ودعاء المسلمين عدم الخروج إلى مصلى العيد، بل تجد بعض الناس لا يخرج إلى المصلى، خاصة منهم الشباب، وهذا خطأ؛ لأن هذا اليوم عدم تأدية صلاة العيد في المصلى، بحجة أنها سنة، وهذا حق، لكن لا ينبغي لمسلم تركها وهو قادر عليها، بل هي من شعائر الإسلام فلزم إظهارها من الجميع كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً، ومن تركها بدون عذر فقد أخطأ خطأً عظيماً.
6- التشبه بما يفعله الكفار وخاصة في الأعياد أصبح في مجتمعات الإسلامية من الأمور المعتادة مع أن الني حذر منه، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «من تشبه بقوم فهو منهم»(66).
7-من الملاحظات التي تتكرر في مناسبات الأعياد وليالي رمضان، عبث الأطفال والمراهقين بالألعاب النارية، التي تؤذي المصلين، وتروع الآمنين، وكم جرت من مصائب وحوادث!! فهذا أصيب في عينه، وذاك في رأسه والناس في غفلة من هذا الأمر
8- الأكل قبل صلاة العيد، وهذا مخالف للمشروع، حيث يسن في عيد الأضحى ألا يأكل إلا من أضحيته، لما ورد عن عـبــد الله بن بريدة عن أبيه، قال: «كان الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي»(67).
قال ابن قيم الجوزية: "وأما في عيد الأضحى، فكان لا يَطْعَمُ حتى يَرجِعَ من المصلى فيأكل من أضحيته"(68).
9- التساهل في عدم سماع الخطبة، مع حاجة الناس في هذه الأيام للعلم بالدين فينبغي للمسلم أن يستمع للخطبة لما في هذا من الفضل العظيم.
وفي الختام نسأ الله تعالى يوفق الجميع إلى استغلال أوقات العيد المباركة، والتوسيع على النفس والعيال، وتحقيق ما فرض الله وأن يوفقنا إلى كل ما يحبه ويرضاه وان يهل علينا العيد باليمن والإيمان والسلامة والإسلام والسعادة والرضوان وان يجعلنا ممن يوفقون بقبول الأعمال طوال العام انه ولي ذلك والقادر عليه.. آمين اللهم آمين.. والله نسأل للجميع التوفيق والسداد.
العيد فضائل وأحكام ل(عبد الوهاب بن مهيوب مرشد الشرعبي)

إعداد وترتيب: عبد الوهاب الشرعبي.
__________________
(1) الحديثين أخرجهما البخاري 3/ 1064، برقم: 2750، وهو متفق عليه..
(2) فتح الباري،ج2/ 443.
(3) بهجة المجالس وانس المجالس وشحذ الذهن والهاجس، ابن عبد البر ص115، دار الكتب العلمية، بيروت، 1981م، تحقيق: محمد الخولي.
(4) إحياء علوم الدين ج2/ 19.
(5) لطائف العارف، ج1/ 299.
(6) أخرجه أبو داو ود 1/ 364في السنن برقم: 1134وقال الشيخ الألباني صيح.
(7) أنظر: التبيان في تفسير غريب القرآن،ج1/ 188.
(8) المطلع على أبواب الفقه، ج1/ 108.
(9) هو يوم النحر وقيل يوم عرفة وقيل غير ذلك وإِنما سمي الحج الأَكبر لأَنهم يسمون العمرة الحج الأَصغر.
(10) رواه أبو داود ج1/ 548، برقم 1765 وصححه الألباني في الصحيح الجامع ج1/ 195 برقم 1944.
(11) في زاد المعاد ج1/ 54.
(12) رواه البخاري ج3/ 1630، برقم 3006.
(13) أخرجه أبوا داو ود ج1/ 735، برقم 2419، وصححه الألباني في الإرواء ج4/ 130.
(14) أخرجه أحمد في مسنده ج5/ 75، برقم 20741.
(15) اليوم الثاني للعيد وهو اليوم الذي يستقر فيه الحجاج في منى.
(16) أخرجه أبو داو ود ج2/ 109،برقم 2813وصححه الالباني، في صحيح أبوا داوود،ج2/ 541، برقم 2439.
(17) أي بعد طلوع الشمس بنحو ربع ساعة.
(18) أخرجه أبو داو ود،ج1/ 365، برقم 1135، وصححه الألباني في صحيح أبو داو ود ج1/ 210، برقم 1005.
(19) أخرجه البخاري،ج2/ 674، برقم 1810.
(20) أخرجه البخاري ج2/ 525 برقم 1381.
(21) أخرجه البخاري ج1/ 326، برقم 913.
(22) مختصر إرواء الغليل،ج1/ 128، برقم 638.
(23) أخرجه، الطبراني في المعجم الكبير ج 2/ 37/ 3، وصححه ومخرج في الإرواء ج3/ 114.
(24) أخرجه أبو داود ج1/ 368، برقم1149 وصححه الألباني في صحيح ابو داوود، ج1/ 213، برقم 1018.
(25) أخرجه مالك في الموطأ ج1/ 180، برقم 434، وصححه الألباني في صحيح ابو داوود، ج1/ 213، برقم 1018. باللفظ السابق.
(26) أخرجه مسلم ج2/ 602، برقم 891.
(27) أخرجه مسلم ج2/ 592، برقم 878.
(28) أخرجه البخاري،ج1/ 170، برقم 433.
(29) الكافي ص 234.
(30) أخرجه البخاري، ح1/ 323، برقم 907.
(31) أخرجه مسلم، ج2/ 607، برقم 892.
(32) أخرجه البخاري، ج1/ 324، برقم 909.
(33) أخرجه البخاري، ح1/ 323، برقم 907.
(34) فتح الباري، ج2/ 457.
(35) أخرجه البخاري ج 3/ 1111، برقم 2889.
(36) المغني 2/ 275.
(37) أخرجه الترمذي ج2/ 426، برقم 542، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/ 168.
(38) أخرجه البخاري، ج1/ 324، برقم 908.
(39) أخرجه البخاري، ج1/ 324، برقم 908.
(40) أخرجه الترمذي ج2/ 410، برقم 530 مختصر إرواء الغليلج1/ 128،برقم 636.
(41) وروى الدارقطني ج2/ 44، برقم 4، وصححه الألباني مختصر إرواء الغليل ج1/ 131، برقم 650.
(42) وروى ابن أبي شيبة انظر إرواء الغليل 2/ 121.
(43) تمام المنة ج1/ 354، وقال ابن حجر إسناده حسن.
(44) أخرجه البخاري، 1/ 295، برقم 825.
(45) أخرجه أبو داوود 1/ 369 برقم، 1155، وصححه الألباني أنظر إرواء الغليل 3/ 96.
(46) أخرجه البخاري ج1/ 334، برقم 943 في صحيحه.
(47) زاد المعاد، ج1/ 425.
(48) رواه البخاري ج1/ 329 برقم 925.
(49) سنن الدارقطني 4/ 284، 49 وصححه الألباني في الصحيح الجامع،ج1/ 867 برقم 8666.
(50) أخرجه أبو داوود، ج1/ 369، برقم 1155، وصححه الألباني، ج1/ 214، برقم 1024.
(51) أنظر المجموع شرح المهذب.
(52) أخرجه أبو داود،ج1/ 365 برقم 1135 وصححه الألباني في صيح أبو داو ود ج1/ 210 برقم 1005.
(53) أخرجه مسلم ج2/ 605، برقم 884.
(54) أخرجه مسلم ج2/ 800برقم 1140.
(55) العواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربت، أو استحقت التزويج، أو هي الكريمة على أهلها، أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة.
(56) وهو ستر يكون في ناحية البيت تقعد البكر وراءه.
(57) البالغات من البنات أو المباشرات بالحيض مع أنهم غير طاهرات.
(58) أخرجه البخاري ج1/ 123، برقم 318.
(59) أنظر سنن الترمذي ج2/ 420، برقم 540 وأخرجه البخاري ومسلم.
(60) أخرجه مسلم 1|/ 193، برقم 445.
(61) أخرجه البخاري، ج1/ 331، برقم 932.
(62) أخرجه أبو داو ود ج1/ 349 برقم 1073 وصححه الألبان ي في صحيح أبو داو ود ج1/ 200 برقم 948.
(63) أخرجه أبو داو ود ج1/ 348، برقم 1070، وصححه الألباني في صحيح أبو داو ود ج1/ 199، برقم 945.
(64) أخرجه البخاري في تعليقاته 5/ 2123 برقم 5268.
(65) أخرجه مسلم،ج1/ 1680، برقم 2128.
(66) أخرجه أبو داوود،ج2/ 441، برقم 4031،وصححه الألباني في مختصر الإرواء،ج1/ 248، برقم 1269.
(67) أخرجه الترمذي 2/ 426، برقم 542 وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ج1/ 323.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.