الخميس، 16 أكتوبر 2014

الفَتْوى وضوابطها*

مقدمة:
راعَنَا كثيراً ما نراه اليوم مِنْ تجرُّؤِ العوامِّ وبعضِ طلبةِ العلم على الفتوى، فترى أحدَهم بمجرَّدِ أنْ يقرأ كتاباً أو كتابين أو ثلاثة أو أكثر يظُنُّ نفسَه مجتهداً في الدِّين، عالماً فيه، فيُفْتِي بغير علمٍ فيَضِلُّ ويُضِلُّ، وينبني على فتواه التعدِّي على الحقوق مِنْ أموال ودماء،

ويحسبُه هيِّناً وهو عند الله عظيم، لذلك رأينا أن نجمع بحثاً في الفتوى وضوابطها وشروط المفتي والمستفتي وما ينبني على خطأ المفتي وغيره.
ومعظم مادة هذا البحث مأخوذة من الموسوعة الفقهية الكويتية، مع اختصار وزيادة في بعض الأبحاث، مما يناسب المقام قدر المستطاع، ومن الله التوفيق وعليه الاعتماد.
تهيّب الإفتاء والجرأة عليه:
ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قوله : "أَجْرَؤُكُمْ عَلَى الْفُتْيَا أَجْرَؤُكُمْ عَلَى النَّارِ"(رواه الدارمي في سننه مرسلاً:(157))
وقد نقل النّوويّ في حديثه عن الصحابة الكرام: ما منهم من يحدّث بحديث إلاّ ودّ أنّ أخاه كفاه إيّاه، ولا يُسْتَفْتَى عن شيءٍ إلا ودَّ أنَّ أخاه كَفَاه الفُتْيَا.
ونقل عن سفيان: أجسرُ النَّاس على الفتيا أقلُّهم علماً.
فالّذي ينبغي للعالم أن يكون متهيّباً للإفتاء، لا يتجرّأ عليه إلا حيث يكون الحكمُ جليّاً في الكتاب أو السُّنة، أو يكون مجمعاً عليه، أمّا فيما عدا ذلك ممّا تعارضت فيه الأقوال والوجوه وخفِيَ حكمُه، فعليه أن يتثبَّتَ ويتريَّثَ حتّى يتَّضِحَ له وجهُ الجواب، فإنْ لم يتَّضِحْ له توقَّفَ.
وفيما نقل عن الإمام مالك أنّه: ربّما كان يُسْأَلُ عن خمسين مسألةً فلا يجيب في واحدة منها، وكان يقول: مَنْ أجاب فينبغي قبل الجواب أنْ يعْرِضَ نفسَه على الجنّة والنّار، وكيف خَلاصُه، ثمّ يُجِيبُ.
وعن الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يُكْثِرُ أنْ يقولَ: لا أدري.
حُكْمُ مَنْ يُفْتِي بغير عِلْمٍ:ِ
الإفتاء بغير علمٍ حرامٌ، لأنُّه يتضمَّنُ الكذب على اللّه تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويتضمَّنُ إضلالَ النَّاس، وهو من الكبائر، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف:٣٣) ، فقرنه بالفواحش والبغي والشّرك، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
 "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"(رواه البخاري في صحيحه:(99)).
مِنْ أجل ذلك كثر النّقل عن السّلف إذا سئل أحدهم عمّا لا يعلم أن يقول للسّائل: لا أدري.
وينبغي للمفتي أن يستعملَ ذلك في موضعه ويعوِّدَ نفسَه عليه.
ثمّ إنْ فعل المستفتي -بناءً على الفتوى- أمراً محرّماً أو أدّى العبادة المفروضة على وجهٍ فاسدٍ، حمل المفتي -بغير علمٍ-  إثمَه، إنْ لم يكن المستفتي قصَّر في البحث عمَّنْ هو أهلٌ للفتيا، وإلاّ فالإثم عليهما، روى أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ بُنْيَانَهُ فِي جَهَنَّمَ، وَمَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ، وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ" (رواه الحاكم في المستدرك:1/103)).
تعريف الفتوى:
الفتوى لغةً: اسم مصدر بمعنى الإفتاء، والجمع: الفتاوى والفتاوي، يقال: أفتيته فتوى وفتيا: إذا أجبته عن مسألته، والفتيا تبيين المشكل من الأحكام، وتفاتوا إلى فلان: تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفتيا، ويقال: أفتيت فلاناً رؤيا رآها، إذا عبّرتها له، ومنه قوله تعالى حاكياً: { يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} (يوسف:٤٣) والاستفتاء لغةً: طلب الجواب عن الأمر المشكل، ومنه قوله تعالى: {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا}(الكهف:٢٢).
والفتوى في الاصطلاح: تبيين الحكم الشّرعيّ عن دليل[1] لمن سأل عنه، وهذا يشمل السّؤال في الوقائع وغيرها.
قال الزّركشيّ : المفتي مَنْ كان عالماً بجميع الأحكام الشّرعيّة بالقوّة القريبة من الفعل.
الفرق بين الفتوى والقضاء:
أنَّ الفتوى إخبارٌ عن الحكم الشّرعيّ، والقضاء إنشاءٌ للحكم بين المتخاصمين.
أنَّ الفتوى لا إلزام فيها للمستفتي أو غيره، بل له أنْ يأخذَ بها إنْ رآها صواباً، وله أنْ يتركها ويأخذ بفتوى مُفْتٍ آخر، أمّا الحكم القضائيّ فهو مُلْزِمٌ.. وينبني عليه أنَّ أحد الخصمين إذا دعا الآخر إلى فتاوى الفقهاء لم نجبره، وإنْ دعاه إلى قاضٍ وجب عليه الإجابة، وأُجْبِرَ على ذلك، لأنَّ القاضيَ منصوبٌ لقطع الخصومات وإنهائها.
أنَّ حكمَ القاضي جزئيٌّ خاصٌّ لا يتعدَّى إلى غير المحكوم عليه وله، وفتوى المفتي شريعةٌ عامَّةٌ تتعلّق بالمستفتي وغيره، فالقاضي يقضي قضاءً معيّناً على شَخْصٍ معيّن، والمفتي يفتي حكماً عامّاً كلّيّاً: أنَّ مَنْ فَعَلَ كذا ترتَّبَ عليه كذا، ومَنْ قال كذا لَزِمَه كذا.
أنَّ القضاء لا يكون إلاّ بلَفْظٍ منطوقٍ، وتكون الفتيا بالكتابة والفعل والإشارة.
حكم الفتوى:
الفتوى فرضٌ على الكفاية، إذ لا بدّ للمسلمين ممَّنْ يبين لهم أحكام دينهم فيما يقع لهم، ولا يُــحْسِنُ ذلك كلُّ أحد، فوجب أن يقوم به مَنْ لديه القدرة، والعلم والتبحُّرُ به ليس يحسنه كلُّ أحد، وممَّا يدلُّ على فرضيّتها قول اللّه تبارك وتعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (آل عمران:١٨٧) ، وقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ"(رواه الترمذي في سننه:(2592)).
قال المحلّيُّ في شرحه على المنهاج: ومِنْ فروض الكفاية القيامُ بإقامة الحجج العلميّة، وحلِّ المشكلات في الدِّين، ودفْعِ الشُّبَه، والقيامِ بعلوم الشَّرعِ كالتّفسير والحديث، والفروعِ الفقهيَّةِ بحيْثُ يصْلُحُ للقضاء والإفتاء للحاجة إليهما.
ويجب أن يكون في البلاد مفتون ليعرفهم النَّاس، فيتوجّهوا إليهم بسؤالهم يستفتيهم النّاس، وقدَّر الشافعيَّةُ أنْ يكونَ في كلِّ مسافةِ قَصْرٍ وَاحِدٌ.
هل يجب على المفتي الإجابة عن الفتوى:
مَنْ سُئِلَ عن الحكم الشّرعيّ من المتأهِّلين للفتوى يتعيَّن عليه الجواب بشروط:
الأوّل: أنْ لا يُوجَدَ في النَّاحيةِ غيرَه ممَّنْ يتمكَّنُ من الإجابة، فإنْ وُجِدَ عالِمٌ آخر يمكنه الإفتاءُ لم يتعيَّنْ على الأوَّل، بل له أنْ يُحِيلَ على الثَّاني، قال عبد الرّحمن بن أبي ليلى: أدركْتُ عشرين ومائةً من الأنصار مِنْ أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ أحدُهم عن المسألة، فيردّها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتّى ترجع إلى الأوّل.
الثّاني: أن يكون المسؤول عالماً بالحكم  بالفعل، أو بالقوّة القريبة من الفعل، وإلالم يُلْزَمْ تكليفه بالجواب، لما عليه من المشقّة في تحصيله.
الثّالث: أن لا يمنع مِنْ وجوب الجواب مانع، كأنْ تكونَ المسألةُ عن أمْرٍ غيرِ واقع، أو عن أمرٍ لا منفعةَ فيه للسّائل، أو غير ذلك.
خطر الفتوى وعظيم شأنها:
لقد وردت عدة آيات من كتاب الله تعالى تبين أن اللّه تعالى أفتى عباده بنفسه، فقال:
{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} (النساء:١٢٧)، وقال: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ}(النساء:١٧٦).
وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم يتولَّى هذا المنصب في حياته، وكان ذلك مِنْ مقتضى رسالته، وقد كلّفه اللّه تعالى بذلك حيث قال:{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(النحل:٤٤) فالمفتي خليفة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان، وقد تولّى هذه الخلافة بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم أصحابه الكرام ، ثمّ أهل العلم بعدهم .
ولقد شبّه الإمام القرافيّ المفتي بالتّرجمان عن مراد اللّه تعالى، وجعله ابن القيّم بمنزلة الوزير الموقِّع عن الملك، قال: إذا كان منصب التّوقيع عن الملوك بالمحلِّ الذي لا يُنْكَر فضْلُه، ولا يُجْهَلُ قدْرُه، وهو مِنْ أعلى المراتب السّنيّات، فكيف بمنصب التوقيع عن ربِّ الأرض والسَّموات، ونقل عن ابن المنكدر أنّه قال: العالِمُ بين اللّه وبين خلقه، فَلْيَنْظُرْ كيف يدخُلُ بينهم.
أنواع ما يفتى فيه:
يدخل الإفتاء في  الأحكام الاعتقاديّة: من الإيمان باللّه واليوم الآخر وسائر أركان الإيمان.
ويدخل في الأحكام العمليّة جميعها: من العبادات والمعاملات والعقوبات والأنكحة.
 ويدخل الإفتاء في الأحكام التّكليفيّة كلِّها، وهي الواجبات والمحرّمات والمندوبات والمكروهات والمباحات.
 ويدخل الإفتاء في الأحكام الوضعيّة كالإفتاء بصحّة العبادة أو التصرُّف أو بطلانهما.
ما يلزم المفتي عمله قبل إصدار الفتوى:
 أولاً: بات واضحاً مما سبق أنَّ الأصل في المفتي أن يكون مجتهداً مطلقاً، ولكنَّ الواقع في هذه الأزمان أنَّ المفتي إنما يأخذ عن غيره تقليداً نظراً لانقراض المجتهدين، ولم يدّع أحدٌ في زماننا رتبة الاجتهاد المطلق، ونسأل الله العليَّ القدير أن يُهيِّئَ لهذه الأمة أمر رشْدها ويخرج منها العلماء المجتهدين الأثبات.
ثانياً: ينبني على ذلك أنْ لا نخرج الآن عن المعتمد المـُــفْتَى به في المذاهب الأربعة، ويجب أن نستفرغ الوسع والطاقة في البحث عن الواقع التي بين أيدينا ضمن هذه المذاهب.
ثالثاً: إن لم نجد نصَّاً صريحاً في الواقعة التي بين أيدينا فإننا نرى أن لا يستفرد واحد بالفتوى، بل تُشَكَّل لجنة من العلماء الثقات الأثبات ينظرون فيها بعد تقليب النظر وتنقيح المناط واستفصال الفتوى، واستشارة المختصين من أهل العلم فيما يتعلق بالنازلة المعروضة عليهم. 
 رابعاً: على المفتي أن يحيط بالمسألة إحاطةً تامّةً فيما يتعلَّق به الجواب، بأن يستفصل السّائل عنها، ويسأل غيره إن لزم، وينظر في القرائن.
شروط المفتي:
لا يشترط في المفتي الحُرِّيّة والذُّكوريّة والنُّطق اتِّفاقاً، فتصِحُّ فتيا العبد والمرأة والأخرس، ويفتي بالكتابة أو بالإشارة المفهمة، وأمّا السّمع فقد قال بعض الحنفيّة: إنّه شرطٌ فلا تصِحُّ فتيا الأصمِّ وهو مَنْ لا يسمع أصلاً، وقال ابن عابدين: لا شكّ أنّه إذا كتب له السّؤال وأجاب عنه جاز العمل بفتواه، إلا أنّه لا ينبغي أنْ يُنَصَّبَ للفتوى، لأنّه لا يمكن كلُّ أحدٍ أن يكتب له، ولم يذكر هذا الشّرط غيرهم، وكذا لم يذكروا في الشّروط البصر، فتصحّ فتيا الأعمى، وصرّح به المالكيّة.
أمّا ما يشترط في المفتي فأمور:
الإسلام: فلا تصحّ فتيا الكافر.
العقل: فلا تصحّ فتيا المجنون.
البلوغ: فلا تصحُّ فتيا الصَّغير.
العدالة: فلا تصحّ فتيا الفاسق عند جمهور العلماء، لأنَّ الإفتاء يتضمَّنُ الإخبار عن الحكم الشَّرعيِّ، وخبر الفاسق لا يُقْبَل، وأمَّا المبتدعة فإنْ كانَتْ بِدْعَتُهم مكفِّرةً أو مفسِّقةً لم تصحَّ فتاواهم، وإلا صحَّتْ فيما لا يَدْعُون فيه إلى بِدَعهم، قال الخطيب البغداديّ: تجوز فتاوى أهلِ الأهواء ومَنْ لا نكفِّره ببدعته ولا نفسِّقه، وأمّا الشّراة والرّافضة الّذين يشتمون الصّحابة ويسبّون السَّلف فإنَّ فتاويهم مرذولة، وأقاويلهم غير مقبولة.
الاجتهاد وهو الأصل في المفتي كما مرَّ، وهو: بذل الجهد في استنباط الحكم الشّرعيّ من الأدلّة المعتبرة، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف:٣٣)، قال الشّافعيّ فيما رواه عنه الخطيب: لا يحلُّ لأحَدٍ أن يفتي في دين اللّه إلا رجلاً عارفاً بكتاب اللّه: بناسخه ومنسوخه، ومـُــحْكَمه ومتشابهه، وتأويلِه وتنزيلِه، ومكّيِّه ومدنيِّه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيراً بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ويَعْرِف من الحديث مِثْلَ ما عَرَفَ من القرآن، ويكون بصيراً باللغة، بصيراً بالشِّعر، وما يُحْتَاج إليه للسنَّة والقرآن، ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفاً على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحةٌ بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلّم ويفتي في الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتي. ا هـ   وهذا معنى الاجتهاد .
 ومفهوم هذا الشّرط: أنَّ فتيا العامِّيِّ والمقلِّد الذي يفتي بقول غيره لا تصحّ،
 قال ابن القيّم: وفي فتيا المقلّد ثلاثة أقوال:
الأوّل: أنّه لا تجوز الفتيا بالتّقليد، لأنّه ليس بعلم، ولأنَّ المقلِّد ليس بعالم، والفتوى بغير علم حرام، قال: وهذا قول جمهور الشّافعيّة وأكثر الحنابلة.
الثّاني: أنّ ذلك يجوز فيما يتعلّق بنفسه، فأمَّا أنْ يتقلَّدَ لغيره ويفتي به فلا.
الثّالث: أنّه يجوز عند الحاجة وعدم العالم المجتهد، قال: وهو أصحّ الأقوال، وعليه العمل.
وقال ابن عابدين نقلاً عن ابن الهمام: وقد استقرّ رأي الأصوليّين على أنَّ المفتي هو المجتهد، فأمّا غير المجتهد ممّن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمُفْتٍ، والواجب عليه إذا سُئِلَ أن يذكر قول المجتهد على وجه الحكاية، فعُرِفَ أنَّ ما يكون في زماننا مِنْ فتوى الموجودين ليس بفتوى، بل هو نقل كلام المفتي ليأخذ به المستفتي. ا هـ.
وعليه أن يذكره على وجه الحكاية ولا يجعله كأنّه مِنْ كلامه هو، ومقصودُهم أنَّ فتيا المقلِّد ليست بفتيا على الحقيقة، وتسمّى فتيا مجازاً للشّبه، ويجوز الأخذ بها في هذه الأزمان لقلّة المجتهدين أو انعدامهم.
وقال ابن دقيق العيد: توقيف الفتيا على حصول المجتهد يُفْضِي إلى حرجٍ عظيم، أو استرسال الخلق في أهوائهم، فالمختار أنّ الرّاوي عن الأئمّة المتقدّمين إذا كان عدلاً متمكّناً مِنْ فهم كلام الإمام، ثمّ حكى للمقلّد قوله فإنّه يكفيه، لأنّ ذلك ممّا يغلب على ظنّ العامّيِّ أنّه حكم اللّه عنده، قال: وقد انعقد الإجماع في زماننا على هذا النّوع من الفتيا.
قال الزّركشيّ: أمّا مَنْ شدا - أي: جمع - شيئاً  من العلم فقد نقل الإجماع على أنّه لا يحلّ له أن يفتي.
وليس لمن يفتي بمذهب إمامٍ أن يفتي به إلاّ وقد عرف دليله ووجه الاستنباط.
قال ابن القيّم: لا يجوز للمقلّد أن يفتي في دين اللّه بما هو مقلّد فيه وليس على بصيرة فيه سوى أنّه قول من قلّده، هذا إجماع السّلف وبه صرّح الشّافعيّ وأحمد وغيرهما.
وليس للمفتي المقلّد أن يفتي بالضّعيف والمرجوح من الأقوال على ما صرّح به الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، بل نقل الحصكفيّ أنّ العمل بالقول المرجوح جهل وخرق للإجماع، وصرّح الحنفيّة بأنْ ليس للمفتي المقلّد الإفتاء بالضّعيف والمرجوح حتّى في حقّ نفسه.
جودة القريحة: ومعنى ذلك أنْ يكونَ كثيرَ الإصابة، صحيحَ الاستنباط، فلا تصلح فتيا الغبيِّ، ولا مَنْ كَثُرَ غلطُه، بل يجب أن يكون بطبعه شديدَ الفهم لمقاصد الكلام ودلالة القرائن، صادق الحكم، قال النّوويّ: شرط المفتي كونه فقيه النّفس، سليم الذّهن، رصين الفكر، صحيح النّظر والاستنباط.اهـ.
الفطانة والتّيقّظ :
 يشترط في المفتي أن يكون متيقّظاً، قال ابن عابدين: شرط بعضُهم تيقّظ المفتي، قال: وهذا شرطٌ في زماننا، فلا بدّ أن يكون المفتي متيقّظاً يعلم حِيَلَ النّاسِ ودسائسهم، فإنّ لبعضهم مهارةً في الحيل والتّزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل في صورة الحقّ، فغفلة المفتي يلزم منها ضررٌ كبيرٌ في هذا الزّمان، وقال ابن القيّم: ينبغي للمفتي أن يكون بصيراً بمكر النّاس وخداعهم وأحوالهم، فإنْ لم يكن كذلك زاغَ وأزاغَ، وممّا يتعلّق بهذا ما نبّه إليه بعض العلماء مِنْ أنّه يشترط في المفتي أن يكون على عِلْمٍ بالأعراف اللّفظيّة للمستفتي، لئلاّ يفهم كلامه على غير وجهه، وهذا إن كان إفتاؤه في ما يتعلّق بالألفاظ كالأيمان والإقرار ونحوها.
والقرابة والصّداقة والعداوة لا تؤثّر في صحّة الفتوى كما تؤثّر في القضاء  والشّهادة، فيجوز أن يفتي أباه أو ابنه أو صديقه أو شريكه أو يفتي على عدوّه، فالفتوى في هذا بمنزلة الرّواية، لأنَّ المفتي في حكم المخبِر عن الشّرع بأمرٍ عامٍّ لا اختصاص له بشخص، ولأنَّ الفتوى لا يرتبط بها إلزام، بخلاف حكم القاضي.
وقد نبّه أحمد إلى خصالٍ مكمِّلةٍ للمفتي حيث قال: لا ينبغي للرّجل أن ينصب نفسه للفتيا حتّى يكون فيه خمس خصال: أن تكون له نيّة، فإن لم يكن له نيّة لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، وأن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، وأن يكون قويّاً على ما هو فيه وعلى معرفته، والكفاية، وإلاّ مضغه النّاس، ومعرفة النّاس.
تتبّع المفتي للرّخص:
ذهب عامّة العلماء وصرّح به النّوويّ في فتاويه إلى أنّه ليس للمفتي تتبّع رخص المذاهب، بأن يبحث عن الأسهل من القولين أو الوجهين ويفتي به، وخاصّةً إن كان يفتي بذلك من يحبّه من صدّيق أو قريب، ويفتي بغير ذلك من عداهم، وقد خطّأ العلماء من يفعل ذلك،
على أنّ الذّاهبين إلى هذا القول لم يمنعوا الإفتاء بما فيه ترخيص إن كان له مستند صحيح.
قال ابن القيّم بعد أن ذكر تتبّع المفتي الرّخص لمن أراد نفعه: فإنْ حَسُنَ قصْدُ المفتي في حيلةٍ جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك، بل استحبّ، وقد أرشد اللّه نبيّه أيّوب عليه السلام إلى التّخلّص من الحنث: بأن يأخذ بيده ضغثاً فيضرب به المرأة ضربةً واحدةً، قال: فأحسن المخارج ما خلّص من المآثم، وأقبحها ما أوقع في المحارم.
آداب المفتي:
ينبغي للمفتي أن يحسِّنَ زيَّهُ، مع التّقيِّد بالأحكام الشّرعيّة في ذلك، فيراعي الطّهارة والنّظافة، واجتناب الحرير والذّهب والثّياب الّتي فيها شيء من شعارات الكفّار، ولو لبس من الثّياب العالية لكان أدعى لقبول قوله، لقوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (الأعراف:٣٢)، ولأنَّ تأثير المظهر في عامَّة النّاس لا يُنْكَر، وهو في هذا الحُكْمِ كالقاضي.
وينبغي له أن يُـــحَسِّنَ سيرته، بتحرّي موافقة الشريعة في أفعاله وأقواله، لأنّه قدوة للنّاس في ما يقول ويفعل، فيحصل بفعله قدر عظيم من البيان، لأنّ الأنظار إليه مصروفة، والنّفوس على الاقتداء بهديه موقوفة.
وينبغي له أن يُصْلِح سريرته ويستحضر عند الإفتاء النّيّة الصّالحة من قصد الخلافة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بيان الشّرع، وإحياء العمل بالكتاب والسّنّة، وإصلاح أحوال النَّاس بذلك، ويستعين باللّه على ذلك، ويسأله التّوفيق والتسديد، وعليه مدافعة النّيّات الخبيثة من قصد العلوّ في الأرض والإعجاب بما يقول، وخاصّةً حيث يخطئ غيره ويصيب هو، وقد ورد عن سحنون: فتنة الجواب بالصَّواب أعظمُ مِنْ فتنة المال.
وعليه أن يكون عاملاً بما يفتي به من الخير، منتهياً عمّا ينهى عنه من المحرّمات والمكروهات، ليتطابق قوله وفعله.
أن لا يفتي حال انشغال قلبه بشدّةِ غضب أو فرح أو جوع أو عطش أو إرهاق أو تغيّر خُلُق، أو كان في حال نعاس، أو مرض شديد، أو حرّ مزعج، أو برد مؤلم، أو مدافعة الأخبثين ونحو ذلك من الحاجات التي تمنع صحّة الفكر واستقامة الحكم، لقول النّبيّ     صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَان"(رواه البخاري في صحيحه:(6552).
إن كان عنده مَنْ يثق بعلمه ودينه فينبغي له أن يشاوره، ولا يستقلّ بالجواب تسامياً بنفسه عن المشاورة، لقول اللّه تعالى: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران:١٥٩) وعلى هذا كان الخلفاء الرّاشدون، وخاصّةً عمر رضي الله عنه، ويرجى بالمشاورة أن يظهر له ما قد يخفى عليه.
المفتي كالطّبيب يطّلع من أسرار النّاس وعوراتهم على ما لا يطّلع عليه غيره، وقد يضرّ بهم إفشاؤها أو يعرّضهم للأذى، فعليه كتمان أسرار المستفتين.
مراعاة حال المستفتي:
ينبغي للمفتي مراعاة أحوال المستفتي، ولذلك وجوه، منها:
أ - إذا كان المستفتي بطيء الفهم، فعلى المفتي التّرفّق به والصّبر على تفهّم سؤاله وتفهيم جوابه.
ب - إذا كان بحاجة إلى تفهيمه أموراً شرعيّةً لم يتطرّق إليها في سؤاله، فينبغي للمفتي بيانها له زيادةً على جواب سؤاله، نصحاً وإرشاداً.
ج - أن يسأله المستفتي عمّا هو بحاجة إليه فيفتيه بالمنع، فينبغي أن يدلّه على ما هو عوض منه، كالطّبيب الحاذق إذا منع المريض من أغذية تضرّه يدلّه على أغذية تنفعه.
صيغة الفتوى:
أ - تحرير ألفاظ الفتيا، لئلا تُفْهَمَ على وجْهٍ باطلٍ، فإنْ كان في المسألة تفصيلٌ فينبغي أنْ يَسْتَفْصِلَ السَّائلَ لِيَصِلَ إلى تحديد الواقعة تحديداً تامّاً، فيكون جوابه عن أمْرٍ محدَّد.
ب - أن لا تكون الفتوى بألفاظ مُجْمَلَة، لئلا يقع السّائل في حيرة، كمن سُئل عن شراء العرايا بالتّمر؟ فقال: يجوز بشروطه، فإنّ الغالب أنّ المستفتي لا يدري ما شروطه، لكنْ إن كان السّائل من أهل العلم الذين لا يخفى عليهم مثلُ هذا، بل يريد أن يعرف قول المفتي جاز ذلك.
ج - يَحْسُنُ ذِكْرُ دليل الحكم في الفتيا سواء كان آيةً أو حديثاً حيث أمكنه ذلك، ويذكر علّته أو حكمته، ولا يلقيه إلى المستفتي مجرّداً، فإنّ الأوّل أدعى للقبول بانشراحِ صدرٍ وفهمٍ لمبنى الحكم، وذلك أدعى إلى الطّاعة والامتثال.
د -  ينبغي أن تكون الفتيا بكلام موجز واضح مستوف لما يحتاج إليه المستفتي ممّا يتعلَّق بسؤاله، ويتجنَّب الإطناب فيما لا أثر له، لأنَّ المقامَ مقامُ تحديد، لا مقامَ وعْظٍ أو تعليم أو تصنيف.
الخطأ في الفتيا:
إذا أخطأ المفتي، فإن كان خطؤه لعدم أهليّته، أو كان أهلاً لكنّه لم يبذل جهده بل تعجّل، يكون آثماً، لحديث: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا"(رواه البخاري في صحيحه:(99)).
أمّا إن كان أهلاً واجتهد فأخطأ فلا إثم عليه، بل له أجر اجتهاده، قياساً على ما ورد في خطأ القاضي، وهو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثمّ أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثمّ أخطأ فله أجر واحد"(رواه البخاري في صحيحه:(6829)).
رجوع المفتي عن فتياه:
إذا تبيَّن للمفتي أنه أخطأ في الفتيا، وجب عليه الرجوع عن الخطأ إذا أفتى في واقعة أخرى مماثلة، لكتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: ولا يمنعنَّك قضاء قضيت فيه اليوم، فراجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحقّ، فإنّ الحقّ قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحقّ خير من التّمادي في الباطل.
ثمّ إن كان المستفتي لم يعمل بالفتيا الأولى لزم المفتيَ إعلامُه برجوعه، لأنّ العامّيّ يعمل بها، لأنها قول المفتي، وإذا رجع عنها فليست قولاً له في تلك الحال.
وإن كان قد عمل بها قال النّوويّ: يلزمه إعلامه حيث يجب النّقض، أي: إذا خالف قاطعاً من نصٍّ أو إجماعٍ، لأنَّ ما رجع عنه قد اعتقد بطلانه، وإن رجع المفتي عن فتياه، أو تبيّن خطؤه، فليس للمستفتي أن يستند في المستقبل إليها في واقعة أخرى مماثلة.
ضمان ما يتلف بناءً على الخطأ في الفتوى:
إن أتلف المستفتي بناءً على الفتيا شيئاً، كأن قتل في شيء ظنّه المفتي ردّةً، أو قطع في سرقة لا قطع فيها، أو جلد بشرب لا يجب فيه الحدّ - كمن شرب مكرهاً - فمات، فقد اختلف الفقهاء في وجوب الضّمان على المفتي على أقوال:
الأوّل: قول المالكيّة: على ما نقله الدّسوقيّ عن الحطَّاب: أنَّ مَنْ أتلف بفتواه شيئاً وتبيّن خطؤه فيها، فإن كان مجتهداً فلا ضمان عليه، وإن كان مقلّداً ضمِنَ إن انتصب وتولّى بنفسه فِعْلَ ما أفتى فيه، وإلا كانت فتواه غروراً قوليّاً لا ضمان فيه، ويُزْجَر، فأمَّا إن كان جاهلاً لم يتقدّم له اشتغال بالعلم أُدِّب.
الثّاني: وهو المشهور عند الشّافعيّة عكس هذا، قال النّوويّ: عن أبي إسحاق  الإسفرايينيّ: إنّ المفتي يضمن إن كان أهلاً للفتوى فبان خطؤه وأنّه خالف القاطع، ولا يضمن إن لم يكن أهلاً، لأنّ المستفتي قصّر - أي بسؤاله مَنْ ليس أهلاً - كذا حكاه ابن الصّلاح وسكت عليه، واستشكله النوويُّ.
الثّالث: ذهب الحنابلة إلى إنّه إن كان أهلاً لم يجب عليه الضّمان وإلا ضمن، وقاسه ابن القيِّم على ما ورد في المتطبّب الجاهل، وهو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تطبَّب ولم يعلم منه طبّ فهو ضامن"(رواه أبو داود في سننه:(3973))، ولكونه غرَّ المستفتي بتصدّره للفتوى وهو ليس لها بأهل.
تخيّر المستفتي من يفتيه:
إنْ وجد المستفتي أكثر من عالم، وكلُّهم عدل وأهل للفتيا، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المستفتي بالخيار بينهم يسأل منهم مَنْ يشاء ويعمل بقوله، ولا يجب عليه أن يجتهد في أعيانهم ليعلم أفضلهم علماً فيسأله، بل له أن يسأل الأفضل إن شاء، وإن شاء سأل المفضول مع وجود الفاضل، واحتجُّوا لذلك بعموم قول اللّه تعالى: { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}(سورة الأنبياء:٧).
ما يلزم المستفتي إن اختلفت عليه أجوبة المفتين:
إن سأل المستفتي أكثر مِنْ مُفْتٍ، فاتّفقت أجوبتهم، فعليه العمل بذلك إن اطمأنّ إلى فتواهم.
وإن اختلفوا فلِلْفقهاء في ذلك طريقان:
فذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ العامّيّ ليس مخيّراً بين أقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ما شاء، بل عليه العمل بنوع من التّرجيح يكون باعتقاد المستفتي في الذين أفتوه أيّهم أعلم، فيأخذ بقوله، ويترك قول من عداه.
والأصحُّ عند الشّافعيَّة: أنَّ تخيُّر العامِّيِّ بين الأقوال المختلفة للمفتين جائز، لأنَّ الواجبَ على العامِّيِّ التّقليد، وهو حاصلٌ بتقليده لأيِّ المـــُــفْتِينَ شاءَ.
*عن رابطة علماء الشام.

[1] (عن دليل): أي حالة كون المفتي معتمداً في فتواه على دليل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.