الأحد، 20 ديسمبر 2015

حول سورة الإخلاص



هذه السورة من أجل سور القرآن , فهي تعدل ثلث القرآن , اذ ان القرآن قد قسمه الله سبحانه الى صفاتٍ والى أحكام والى أخبار , قال أبو العباس بن سريج : أن القرآن أنزل على ثلاثة أقسام : ثلث منها للأحكام ، وثلث منها وعد ووعيد ، وثلث منها الأسماء والصفات . وهذه السورة جمعت الأسماء والصفات . 

وقال الغزالي في " جواهر القرآن" : مهمات القرآن هي معرفة الله ومعرفة الآخرة ومعرفة الصراط المستقيم ، فهذه المعارف الثلاثة هي المهمة ، والباقي توابع . وسورة الإخلاص تشتمل على واحدة من الثلاث ، وهي معرفة الله ، وتقديسه وتوحيده عن مشارك في الجنس والنوع . وهو المراد بنفي الأصل والفرع والكفؤ .


فكان أجل ما فيها هو ذكر الله سبحانه , وكل ما تعلق به , فهو المحمود على كل حال , والمُتصفُ بالكمال 
فأنزل الى عبده ايات بينات فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم القرآن كلاماً بحرف وصوت أسمعه جبريل , وجبريل اسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له قلُ : أي يا محمد صلى الله عليه وسلم واخبر عن الله . 

وقد رويّ ان المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك فنزلت هذه السورة , كما عند الترمذي واحمد وفي اسنادها ضعف.

فالله الصمد : الله من أله يأله مألوه يعني معبوداً , والالهة والاله , من أعلى مراتب الحب التي يقوم لها العبد ذليلاً 
وهي بمعنى المعبود , واصل العبودية من عبد , ويقال طريق معبّد أي مسوى فلا تكاد ترى فيها ارضاً ناشزاً . فلذلك يقال للعبد عبد , لانه بلغ مقاماً لا ينشز فيه عن طاعة محبوبه ! وهي من اعلى مراتب الحب , اذ ان من الحب الهيام والغرام , والتتيم .. واعلاها العبودية او الالوهية . 

وقيل ان الالوهية من آلهه اذا دخل في حِماه , وقيل / بأنها من الوله , اي الذي اذا تفكرت في صفاته اصابك الوله . 
والاول هو الاقرب والمقصود . فالله هو المعبود وهو المقصود , فتُذل الجباه له , وتخشع القلوب له , وتنقاد الجوارح لاوامره ونواهييه , ويسكن الفؤاد به , الا بذكر الله تطمئن القلوب . فلا اله الا الله , اي لا معبود بحق الا الله , فلا يقد محاب احد على محابه , ولا ييسارع في تلبيه اوامر احد الا الله . 
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والانام غضابُ 
اذا صح منك الودُ فالكلُ هينٌ ... والكل الذي فوقَ الترابِ ترابُ ! 

واما الصمد : فهو الذي تقصده الخلائق عند النائبات ! , وقيل هو الذي لا جوف له , فلا يتحاج الى ما يحتاج المخلوقين ,فلذلك يُقصد دون غيره ! فالله سبحانه يُطعِم ولا يُطعَم ! , وهو الذي قال " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " فلاجل ذلك يقصد الصمد سبحانه في الملمات ! . قال بن سريج :والوصف بالصمد يشعر بأنه السيد الذي لا يقصد في الوجود للحوائج سواه.

لم يلد ولم يولد : اي لم يأتِ من إله مثله بلا والد ولا والدة , بل الامر يتحتم بأنه واحد فردٌ صمدُ ,لان منظومة الخلق تشهد بذلك , فلا احد يكافئ خلقه ولا افعاله , ولقد اردكت الجنة ذلك فقالت "وانه تعالى جدُ ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً" فاذا لم يكن لجده صاحبة ولا ولد وكان الله فلا وجود في الوجود الا الله سبحانه ! 

ولم يكن له ولد : ويشهد لذلك ان الولد مما يعين الوالد وهذا ما لا نراه في الكون , فالمخلوقات والموجودات تشهد بوجود فاعل واحد ! لا يقهر ولا يقاوم ! قال الله " ما اتخذ الله من ولدٍ وما كان معه من إله إذاً لذهب كلُ إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون " فلا اضطراب في منظومة الحياة , ولا صراعة للجبابرة , ولا للالهة الاغريقية , فكل ما حول يشهدُ بأنه الله الواحد الاحدُ . 

ولم يكن له كفواً أحد / وفي قراءة كُفئاً ( بالهمزة ) اي فلا نظير له , وكلاهما بمعنى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير , فلا احد يماثل الله سبحانه لا في ذاته ولا في صفاته , ولا في سائر افعاله ! فلا يكافئه أحد ولا يماثله ولا يشاركه في شيء من صفاته ولا في ملكه . قال القاسمي " ولم يكن أحد يكافئه أي : يماثله من صاحبة أو غيرها . وقال الإمام : الكفؤ معناه المكافئ والمماثل في العمل والقدرة . وهو نفي لما يعتقده بعض الوثنيين في الشيطان مثلا . فقد نفى بهذه السورة جميع أنواع الشرك ، وقرر جميع أصول التوحيد والتنزيه . وقال ابن جرير : الكفؤ والكفئ والكفاء في كلام العرب واحد ، وهو المثل والشبه ."

وقال ابن تيمية : كما يجب تنزيه الرب عن كل نقص وعيب ، يجب أن تنزيهه عن أن يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفات الكمال الثابتة له ، وهذان النوعان يجمعان التنزيه الواجب لله ، وهذه السورة دلت على النوعين ، فقوله :
{ أحد } من قوله :
{ ولم يكن له كفوا أحد } ينفي المماثلة والمشاركة . وقوله : صمد يتضمن جميع صفات الكمال ، فالنقائص جنسها منفي عن الله تعالى ، وكل ما اختص به المخلوق فهو من النقائص التي يجب تنزيه الرب عنها . بخلاف ما يوصف به الرب ، ويوصف العبد بما يليق به مثل العلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك ، فإن هذه ليست نقائص بل ما ثبت لله من هذه المعاني ، فإنه يثبت لله على وجه لا يقاربه فيه أحد من المخلوقات ، فضلا عن أن يماثله فيه ، بل ما خلقه الله في الجنة من المآكل والمشارب والملابس لا يماثل ما خلقه في الدنيا وإن اتفقا في الاسم ، فكلاهما مخلوق . فالخالق تعالى أبعد في مماثلة المخلوقات من المخلوقات إلى المخلوق . وقد سمى الله نفسه عليما حليما رؤوفا رحيما سميعا بصيرا عزيزا ملكا جبارا متكبرا ، وسمى أيضا بعض مخلوقاته بهذه الأسماء ، مع العلم أنه ليس المسمى بهذه الأسماء من المخلوقين مماثلا للخالق جل جلاله في شيء من الأشياء ."


وقال ابن القيم في " زاد المعاد " : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص والكافرون > وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل ، وتوحيد المعرفة والإرادة ، وتوحيد الاعتقاد والقصد ؛ فسورة الإخلاص متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة ، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه . والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه ، ونفي الولد والوالد الذي هو من لازم الصمدية وغناه وأحديته ، ونفي الكفؤ المتضمن لنفي الشبيه والمثيل والنظير ، فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له ، ونفي كل نقص عنه ، ونفي إثبات شبيه أو مثل له في كماله ونفي مطلق الشريك عنه ، وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي الذي يباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك ؛ ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن ، فإن القرآن مداره على الخبر والإنشاء ، والإنشاء ثلاثة : أمر ، ونهي ، وإباحة . 

والخبر نوعان : خبر عن الخالق تعالى وأسمائه و
صفاته وأحكامه ، وخبر عن خلقه ؛ فأخلصت سورة الإخلاص الخبر عنه وعن أسمائه وصفاته فعدلت ثلث القرآن ، وخلصت قارئها المؤمن من الشرك العلمي ، كما خلصت سورة { قل يا أيها الكافرون } من الشرك العملي الإرادي القصدي ...

ولما كان الشرك العملي الإرادي أغلب على النفوس لأجل متابعتها هواها ، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرته وبطلانه ، لما لها فيه من نيل الأغراض ، وإزالته وقلعه منها أصعب وأشد من قلع الشرك العلمي وإزالته ؛ لأن هذا يزول بالعلم والحجة ، ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشيء على غير ما هو عليه ، بخلاف شرك الإرادة والقصد ، فإن صاحبه يرتكب ما يدله العلم على بطلانه وضرره لأجل غلبة هواه واستيلاء سلطن الشهوة والغضب على نفسه ؛ فجاء من التأكيد والتكرار في سورة : { قل يا أيها الكافرون } المتضمنة لإزالت الشرك العملي ما يجيء مثله في سورة : { قل هو الله أحد }"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.