الأحد، 16 أغسطس 2015

صلاة التراويح وعدد ركعاتها


الحمد لله الذي حبب لقلوب محبيه عبادته، وشرع لهم دعاءه ومناجاته، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام السابقين إلى الله، وقدوة العبّاد المجتهدين بالأسحار، ورضي الله عن آله وأصحابه الأخيار الأبرار الذين قطعوا الليل بالتتبل والتقرب إليه. . . وبعد :



صلاة التراويح :
  
التراويح لغة : جمع ترويحة، أي استراحة، من الراحة وهي زوال المشقة والتعب، وسميت الجلسة التي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان بالترويحة للاستراحة، وسميت الصلاة التي نحن بصدد الحديث عنها بالتراويح، لأنهم كانوا يطيلون القيام فيها ويجلسون بعد كل أربع ركعات للاستراحة.
وصلاة التراويح اصطلاحاً : هي قيام شهر رمضان بعد صلاة العشاء مثنى مثنى.

حكم صلاة التراويح :

اتفق الفقهاء على سنية صلاة التراويح، وهي عند الحنفية والحنابلة وبعض المالكية سنة مؤكدة، وهي سنة للرجال والنساء، وهي من أعلام الدين الظاهرة. وقال الطحاوي : قيام رمضان واجب على الكفاية لأنهم قد أجمعوا على أنه لا يجوز للناس تعطيل المساجد عن قيام رمضان .
وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح ورغّب فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض صيام رمضان عليكم، وسننت لكم قيامه. . ." رواه النسائي والبيهقي في الشعب عن أنس.

صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم :

روى أبو هريرة – رضي الله تعالى عنه – قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه، قال الخطيب الشربيني وغيره : اتفقوا على أن صلاة التراويح هي المرادة بالحديث المذكور.

وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة التراويح في بعض الليالي، ولم يواظب عليها، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها – "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الثالثة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال : قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" متفق عليه، وذلك في رمضان زاد البخاري في: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك".
وفي تعيين الليالي التي قامها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه روى أبو ذر رضي الله تعالى عنه قال : "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، فلما كانت السادسة لم يقم بنا، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل، فقلت : يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة؟ قال : فقال: إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة قال : فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قال : قلت : ومالفلاح؟ قال : السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر" رواه أبو داود والنسائي.

وعن النعمان بن بشير – رضي الله تعالى عنهما – قال : "قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور" رواه النسائي وأحمد.

صلاة التراويح في عهد عمر رضي الله عنه :

وقد واظب الخلفاء الراشدون والمسلمون من زمن عمر – رضي الله تعالى عنه – على صلاة التراويح جماعة. وكان عمر – رضي الله تعالى عنه – هو الذي جمع الناس فيها على إمام واحد.
عن عبدالرحمن بن عبدالقاري، قال : خرجت مع عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبيّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال : نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله" رواه البخاري.
وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال : سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر، فقال : التراويح سنة مؤكدة، ولم يتخرص عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعاً، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سن عمر هذا وجمع الناس على أبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون من المهاجرين والأنصار، وما رد عليه واحد منهم، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك.

تعيين النية في صلاة التراويح :

ذهب الشافعية وبعض الحنفية، وهو المذهب عند الحنابلة إلى اشتراط تعيين النية في التراويح، فلا تصح التراويح بنية مطلقة، بل ينوي صلاة ركعتين من قيام رمضان أو من التراويح لحديث : "إنما الأعمال بالنيات" تخريج وليتميز إحرامه بهما عن غيره.
وذهب الحنابلة إلى أنه يندب في كل ركعتين من التراويح أن ينوي فيقول سراً : أصلي ركعتين من التراويح المسنونة أو من قيام رمضان.

صلاة التراويح جماعة :

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجماعة في صلاة التراويح سنة، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق، ولفعل الصحابة – رضوان الله تعلى عليهم – ومن تبعهم منذ زمن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – والاستمرار عليه حتى الآن.

قال الحنفية : صلاة التراويح بالجماعة سنة على الكفاية في الأصح، فلو تركها الكل أساءوا، أما لو تخلف عنها رجل من أفراد الناس وصلى في بيته فقد ترك الفضيلة، وإن صلى في البيت بالجماعة لم ينل فضل جماعة المسجد.

وقال المالكية : تندب صلاة التراويح في البيوت إن لم تعطل المساجد، لخوف الرياء وهو حرام، واختلفوا فيما إذا صلاها في بيته، هل يصليها وحده أو معه أهل بيته؟ قولان، قال الزرقاني : لعلهما في الأفضلية سواء.
وندب صلاة التراويح – في البيوت عند المالكية – مشروط بثلاثة أمور :
أن لا تعطل المساجد، وأن ينشط لفعلها في بيته، ولا يقعد عنها، وأن يكون غير آفاقي بالحرمين، فإن تخلف شرط كان فعلها في المسجد أفضل، وقال الزرقاني : يكره لمن في المسجد الانفراد بها عن الجماعة التي يصلونها فيه، وأولى إذا كان انفراده يعطل جماعة المسجد.
وقال الشافعية : تسن الجماعة في التراويح على الأصح، لحديث عائشة – رضي الله تعالى عنها – الذي سبق ذكره وللأثر عن عمر – رضي الله تعالى عنه – ولعمل الناس على ذلك.
ومقابل الأصح عندهم أن الانفراد بصلاة التراويح أفضل كغيرها من صلاة الليل لبعده عن الرياء.
وقال الحنابلة : صلاة التراويح جماعة أفضل من صلاتها فرادى، قال أحمد : كان علي وجابر وعبدالله – رضي الله عنهم – يصلونها في الجماعة.
وقالوا : إن تعذرت الجماعة صلى الرجل وحده لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

عدد ركعات صلاة التراويح :

ذهب جمهور الفقهاء : الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية – إلى أن التراويح عشرون ركعة، لما رواه مالك عن يزيد بن رومان والبيهقي عن السائب بن يزيد من قيام الناس في زمان عمر – رضي الله تعالى عنه – بعشرين ركعة، وجمع عمر الناس على هذا العدد من الركعات جمعاً مستمراً، قال الكاساني : جمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان على أبي بن كعب – رضي الله تعالى عنه – فصلى بهم عشرين ركعة، ولم ينكر عليه أحد فيكون إجماعاً منهم على ذلك.
ولكن روى مالك عن السائب بن يزيد قال : أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، قال : وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. ويبدد أن هذا كان أول الأمر قبل أن يجمع عمر الناس على عشرين.
وروى مالك عن يزيد بن رومان أنه قال : كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، قال البيقهي والباجي وغيرهما : أي بعشرين ركعة غير الوتر ثلاث ركعات. ويؤيده ما رواه البيقهي وغيره عن السائب بن يزيد – رضي الله تعالى عنه قال : كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في شهر رمضان بعشرين ركعة.

وقال الدسوقي وغيره : كان عليه عمل الصحابة والتابعين. وقال ابن عابدين : عليه عمل الناس شرقاً وغرباً. وقال علي السنهوري : هو الذي عليه عمل الناس واستمر إلى زماننا في سائر الأمصار.
وقال الحنابلة : وهذا في مظنة الشهرة بحضرة الصحابة فكان إجماعاً والنصوص في ذلك كثيرة.
وخالف الكمال بن الهمام مشايخ الحنفية القائلين بأن العشرين سنة في التراويح فقال : قيام رمضان سنة إحدى عشرة ركعة بالوتر في جماعة، فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه لعذر، أفاد أنه لولا خشية فرضه عليهم لواظب بهم، ولا شك في تحقق الأمن من ذلك بوفاته صلى الله عليه وسلم فيكون سنة، وكونها عشرين سنة الخلفاء الراشدين، وقوله صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" رواه الترمذي وأبو داود ندب إلى سنتهم، ولا يستلزم كون ذلك سنته، إذ سنته بمواظبته بنفسه أو إلا لعذر، وبتقدير عدم ذلك العذر كان يواظب على ما وقع منه، فتكون العشرون مستحبةً، وذلك القدر منها (الثمان) هو السنة، كالأربع بعد العشاء مستحبة وركعتان منها هي السنة، فيكون المسنون منها ثماني ركعات والباقي مستحباً.

وقال المالكية : القيام في رمضان بعشرين ركعة أو بست وثلاثين واسع أي جائز، فقد كان السلف من الصحابة – رضوان الله عليهم – يقومون في رمضان في زمن عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – في المساجد بعشرين ركعة، ثم يوترون بثلاث، ثم صلوا في زمن عمر بن عبدالعزيز ستاً وثلاثين ركعة غير الشفع والوتر.

قال مالك في المدونة : هو الذي لم يزل عليه عمل الناس أي بالمدينة بعد عمر بن الخطاب.

وقال الشافعية : كان أهل مكة يطوفون بين كل ترويحتين سبعة أشواط، فجعل أهل المدينة بدل كل أسبوع ترويحة ليساووهم.

وقال الحنابلة : لا ينقص من العشرين ركعة، ولا بأس بالزيادة عليها نصاً، قال عبدالله بن أحمد بن حنبل : رأيت أبي يصلي في رمضان ما لا أحصي، وكان عبدالرحمن بن الأسود يقوم بأربعين ركعة يوتر بعدها بسبع.

قال ابن تيمية : والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره وهو الأفضل. وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل. وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك. وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره. وقال : ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ.

وقال السيوطي : الذي وردت به الأحاديث الصحيحة والحسان الأمر بقيام رمضان والترغيب فيه من غير تخصيص بعدد، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح عشرين ركعة، وإنما صلى ليالي صلاة لم يذكر عددا، ثم تأخر في الليلة الرابعة خشية أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها.
وقال ابن حجر الهيثمي : وما ورد " أنه كان يصلي عشرين ركعة" فهو شديد الضعف.

مناقشة المعترضين على العشرين :

ينكر بعض الناس الزيادة على الثمانية ركعات ويرفضون العشرين مدعين في ذلك أن ذلك لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم, إنما هو من فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهي سنته.
واستدل هؤلاء بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها الذي في البخاري "عن أبي سلمة بن عبدالرحن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت : "ما يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة : يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ويصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً وفي رواية ثانية " فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال يا عائشة إن عيني تنام ولا ينام قلبي". فهذا عمدة ما استدل به هؤلاء وللرد عليهم نقول :
1- أن في هذا الحديث اضطراباً في المتن، إذ كيف تذكر أنه صلى الوتر ثم بعد ذلك تسأل عن عدم صلاته للوتر.
2- نقول لهم من أين أخذتم الجمع في صلاة التراويح؟. فإن قالوا " من النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع بأصحابه، نقول لهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بهم ثم ترك الجمع، والذي يؤخذ من فعل النبي آخر الأمر وما صدر عنه آخراً. فإن قالوا : إنما ترك ذلك خوف أن تفرض التراويح. نقول : لو كان كذلك لما ظل الصحابة في زمن أبي وصدر من زمن خلافة عمر يصلون فرادى، وإن قالوا : أخذنا الجمع من فعل عمر لما جمع الناس على إمام. نقول لهم : فكيف تأخذون الجمع عن عمر ولا تأخذون العدد منه.
3- اجتماع الصحابة جميعاً رجالاً ونساءً من غير أن ينكر على عمر ذلك أحد منهم يعتبر إجماعاً وهو حجة قوية.
4- قلتم : إن عمر لم يعلم بهذا ولو علم لأتبعه نقول : إن ذلك يخالف العقل فقد كان الجمع في مسجد رسول الله وعائشة رضي الله عنها إلى جانب المسجد، وإن قلنا : علم وخالف كان ذلك طعناً في الخليفة عمر رضي الله عنه.
5- صلاة الناس من أول الزمن إلى يومنا هذا في الحرمين بعشرين ركعة فهل يعقل أن يكونوا مخطئين.
6- اشتهار العمل بذلك في الأقطار ودوام عمل الأئمة، والأمة لا تجتمع على ضلالة كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
7- ما ثبت أن الصحابة الكرام زادوا في صلاتهم في القيام في غير رمضان ولو فهموا المنع من الزيادة ما فعلوا، فلا أقل أن يقال إن صلاة التراويح من النفل المطلق.
8- قال كثير من العلماء : إن فعل عمر وجمعه للصحابة كان ذلك إجماعاً عملياً، لا سكوتياً فحسب، أي بالفعل والعمل.

تاريخ مشروعية صلاة التراويح والجماعة فيها :

قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ : الأحادث تُشْعِرُ أَنَّ صَلاةَ التَّرَاوِيحِ لَمْ تُشْرَعْ إلا فِي آخِرِ سِنِي الْهِجْرَةِ لأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلاهَا مَرَّةً ثَانِيَةً وَلا وَقَعَ عَنْهَا سُؤَال. وَجَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله تعالى عنه - النَّاسَ فِي التَّرَاوِيحِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ, لِنَحْوِ سَنَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ خِلافَتِه, وَفِي رَمَضَانَ الثَّانِي مِنْ خِلافَتِهِ.

التسليم في صلاة التراويح :

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ; لأَنَّ التَّرَاوِيحَ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ فَتَكُونُ مَثْنَى مَثْنَى, لِحَدِيثِ : "صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى". متفق عليه.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ وَلَمْ يُسَلِّمْ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ : فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ كُلَّهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَقَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلاتُهُ عَنْ الْكُل; لَكِنَّهُ يُكْرَهُ إنْ تَعَمَّدَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ; وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ : يُنْدَبُ لِمَنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ, وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ التَّسْلِيمِ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ, حَتَّى لَوْ دَخَلَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَالأَفْضَلُ لَهُ السّلامُ بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : لَوْ صَلَّى فِي التَّرَاوِيحِ أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِحَّ, فَتَبْطُلُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا, وَإِلا صَارَتْ نَفْلا مُطْلَقًا.

وقت صلاة التراويح :
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ وَقْتَ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ, وَقَبْلِ الْوِتْرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ; لِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ; وَلأَنَّهَا سُنَّةٌ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ فَكَانَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْوِتْرِ. وَلَوْ صَلاهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ الْعِشَاءِ فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا لا تُجْزِئُ عَنْ التَّرَاوِيح, وَتَكُونُ نَافِلَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ, وَمُقَابِلُ الأَصَحِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا تَصِحُّ; لأَنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدَهَا وَقْتٌ لِلتَّرَاوِيحِ; لأَنَّهَا سُمِّيَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَكَانَ وَقْتُهَا اللَّيْلَ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّرَاوِيحِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ, وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ صلاتَهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ; لأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رضي الله تعالى عنه - أَوَّلَهُ, وَقَدْ قِيلَ لأَحْمَد: يُؤَخَّرُ الْقِيَامُ أَيْ فِي التَّرَاوِيحِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ؟ قَال: سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إلَيَّ.

القراءة وختم القرآن الكريم في التراويح :

ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ فِي صَلاةِ التَّرَاوِيحِ لِيَسْمَعَ النَّاسُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ الصَّلاةِ. فيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَشَرَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهَا, فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ الْخَتْمُ; لأَنَّ عَدَدَ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سِتُّمِائَةِ رَكْعَةٍ, أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ, وَآيُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ سِتُّ آلافٍ وَشَيْءٌ. وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ : الأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ الإِمَامُ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْقَوْمِ, فَيَقْرَأُ قَدْرَ مَا لا يُنَفِّرُهُمْ عَنْ الْجَمَاعَةِ; لأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ.

قضاء التراويح :
- إذَا فَاتَتْ صَلاةُ التَّرَاوِيحِ عَنْ وَقْتِهَا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ, فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَصَحِّ عِنْدَهُمْ, وَالْحَنَابِلَةُ فِي ظَاهِرِ كَلامِهِمْ إلَى أَنَّهَا لا تُقْضَى; لأَنَّهَا لَيْسَتْ بِآكَدَ مِنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ, وقَالَ النَّوَوِيُّ : لَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الأَظْهَرِ.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إعداد : الشيخ خالد عبدالكريم أطرش
المراجعة العلمية: الشيخ عبد الله نجيب سالم
الثلاثاء 19 من أكتوبر 2004م
5 من رمضان 1425هـ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.