الأحد، 9 نوفمبر 2014

أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :

" فإن أولى ما نظر فيه بعد كتاب الله -عز وجل- سنن رسوله -صلى لله عليه وسلم- فهي المبيِّنة لمراد الله -عز وجل- من مجملات كتابه ، والدالة على حدوده ، والمفسرة له ، والهادية إلى الصراط المستقيم صراط الله مَن اتبعها اهتدى ،ومن سُلبها ضل وغوى وولاه الله ما تولى ، ومِن أَوكد آلات السنن المعينة عليها ، والمؤدية إلى حفظها معرفة الذين نقلوها عن نبيهم -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الناس كافة ، وحفظوها عليه ،وبلغوها عنه ، وهم صحابته الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين حتى أكمل بما نقلوه الدين ، وثبت بهم حجة الله -تعالى -على المسلمين فهم خير القرون ، وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم ، وثناء رسوله -عليه السلام- ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منه قال الله تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود)( الفتح: 29)
" والصحابة أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه " . كما قاله ابن مسعود _رضي الله عنه_. "فحبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة "

وهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين -عليهم الصلاة والسلام- فعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ في قول الله عز وجل ( قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) (النمل:59) قال : أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم


تعريف الصحابي

وقد أجمع أهل العلم على أن الصحابي هو من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه ولو نظره ومات على ذلك.

وقد حكى الإجماع ابن حجر رحمه الله في الإصابة قائلاً:
(وأصحُّ ماوقفتُ عليه من ذلك أنَّ الصحابيَّ مَن لقي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه مَن طالت مجالسته له أو قصُرت، ومن روى عنه أو لَم يروِ، ومن غزا معه أو لَم يغزُ، ومن رآه رُؤيةً ولو لَم يجالسْه، ومَن لَم يرَه لعارضٍ كالعمى, وهذا التعريفُ مَبنِيٌّ على الأصحِّ المختارِ عند المحقِّقين كالبخاري وشيخِه أحمدَ بن حنبل ومن تبعهما)

وقد جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله, ما نصه:
)وكل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة ، أو رآه فهو من أصحابه ، له من الصحبة على قدر ما صحبه ، وكانت سابقته معه ، وسمع منه ، ونظر إليه نظرة(


. آيات في القران
يقول الله عز وجل: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً) (سورة الفتح: 18).

قوله تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ترااهم رُكعاً سُجدا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مَثَلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سُوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً) (سورة الفتح: 29).

وقال ابن الجوزي: (وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور) (زاد المسير).
قوله تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) إلى قوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) (سورة الحشر: 8 - 10).

قوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) (سورة التوبة: 100).
والدلالة في هذه الآية ظاهرة. قال ابن تيمية: (فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان. ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان) (الصارم المسلول)

قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتوا وكلا وعد الله الحسنى) (سورة الحديد: 11).
والحسنى: الجنة. قال ذلك مجاهد وقتادة (تفسير ابن جرير)

قوله تعالى: (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم) (سورة التوبة: 117).
وقد حضر غزوة تبوك جميع من كان موجوداً من الصحابة، إلا من عذر الله من النساء والعجزة. أما الثلاثة الذين خُلفوا فقد نزلت توبتهم بعد ذلك.

أدلة من السنة المطهرة
عن أبي سعيد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تسبوا أحداً من أصحابي؛ فإن أحدكم لو أنفق مثل اُحُد ذهباً ما أدرك مُد أحدِهم ولا نصِيفَه) (رواه البخاري ومسلم

قال صلى الله عليه وسلم لعمر: (وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) (صحيح البخاري مسلم)

عن عمران بن الحصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) قال عمران: (فلا أدري؛ أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً) (البخاري ومسلم
عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (النجوم أمَنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يُوعَدُون،وأصحابي أمَنَةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعَدُون) (صحيح مسلم)

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أكرموا أصحابي؛ فإنهم خياركم) (رواه الإمام أحمد، والنسائي، رواه ابن ماجة)

عن انس رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الانصار ) ( البخاري ومسلم) .

وقال في الأنصار كذلك : (لا يحبهم غلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق) ( البخاري ومسلم ) من حديث البراء رضي الله عنه ) .

تعظيم الصحابة ومعرفة قدرهم أمر مقرر عند كبارهم ، ولو كان اجتماع الرجل به صلى الله عليه وسلم قليلا ، رضي الله عنهم .

من أقوال السلف في فضل الصحابة

_ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالتهم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم. فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ". رواه أحمد
-
_ وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: (لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة-يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم.-خير من عمل أحدكم عمره(رواه أحمد وابن ماجة وابن أبي عاصم في السنة

_وعن ابن عباس رضي الله عنه (لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.فلمقام أحدهم ساعة - يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم.-خير من عمل أربعين سنة) وفي رواية: (خير من عبادة أحدكم عمره) رواه أحمد

_وعن ابن عباس أيضاً:( لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم، وقد علم أنهم سيقتتلون(

وعن عائشة رضي الله عنها قالت:( أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسبوهم)رواه مسلم و الطبراني.
- وقيل لها: إن أناساً يتناولون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى أبا بكر وعمر. فقالت رضي الله عنها:( وما تعجبون من هذا انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا ينقطع عنهم الأجر.)

_ وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.خير هذه الأمة قلوباً، وأعمقهم علماً، وأقلهم تكلفاً، اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه ونقل دينه)

- وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال:( ولله لمشهد رجل منهم – يعني الصحابة – مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.يغبر منه وجهه خير من عمل أحدكم ولو عمر عمر نوح ثم قال يتوعد من يبغضهم أو يسبهم: "لا جرم لما انقطعت أعمارهم أراد الله أن لا ينقطع الأجر عنهم إلى يوم القيامة، والشقي من أبغضهم والسعيد من أحبهم)
رواه الترمذي وأبو داود

_ قال النووي : ( وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ، ولا تنال درجتها بشيء ، والفضائل لا تؤخذ بالقياس ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )

_ وجاء عن الشافعي (وقد أدَّوْا إلينا سُنَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاهَدُوه والوحْيُ ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعَزْماً وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد ووَرَعٍ وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به(

_ ابن أبي زيد القيرواني
(وأنَّ خيرَ القرون القرنُ الذين رأوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاءُ الراشدون المهديّون: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يُذكر أحدٌ من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم إلاَّ بأحسن ذكرٍ، والإمساك عمَّا شجر بينهم، وأنَّهم أحقُّ الناس أن يُلتمس لهم أحسن المخارج، ويُظنَّ بهم أحسنَ المذاهب)

_ قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي:قال في كتابه الجرح والتعديل(فأمَّا أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحيَ والتنزيلَ، وعرفوا التفسيرَ والتأويلَ، وهم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ لصحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ونصرتِه وإقامةِ دينه وإظهارِ حقِّه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوةً، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلَّغهم عن الله عزَّ وجلَّ، وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعَوْه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمرَ الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسيرَ الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم الله عزَّ وجلَّ بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيَّاهم موضع القدوة, فكانوا عدولَ الأمَّة وأئمَّةَ الهدى وحججَ الدِّين ونقلةَ الكتاب والسنة)

يقول ابن كثير رحمه الله (في تفسيره لآخر آية في سورة الحجر قوله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ):فإن الأنبياء عليهم السلام كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته, وما يستحق من التعظيم, وكانوا مع هذا أعبد وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة(

- وقال الإمام أحمد (إذا رأيت رجلا يذكر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسوء فاتهمه على الإسلام) ( الصارم المسلول)

_وقال بشر بن الحارث (مَن شتم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين)

_ قال الطحاوي( ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و لا نُفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم ، وبغير الحق يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان )

_ وذكر الحميدي( أن من السنة الترحم على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كلهم فإن الله عز وجل قال ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ )(الحشر:10) فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم ، فمن سبهم أو تنقصهم أو أحدا منهم فليس على السنة وليس له في الفيء حق ، أخبرنا غير واحد عن مالك بن أنس )


الوعيد الشديد فيمن آذى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

عن عبد الله بن مغفل المزني _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) رواه أحمد والترمذي.
قال المناوي ( الله الله في حق أصحابي ) أي اتقوا الله فيهم ، ولا تلمزوهم بسوء ، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم ، وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ( لا تتخذوهم غرضا ) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ ( بعدي ) أي بعد وفاتي (. فيض القدير 2)

وعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( مَن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )
رواه الطبراني في الكبير والحديث حسنة الألباني



لإمساك عما شجر بينهم

قال صلى الله عليه وسلم : (إذا ذكر اصحابي فامسكوا ، وإذا ذكر النجوك فامسكوا ، وإذا ذكر القدر فامسكوا ). ( أخرجه الطبراني وقواه الالباني

ولذلك فمن منهج أهل السنة والجماعة الإمساك عن ذكر هفوات الصحابة وتتبع زلاتهم وعدم الخوض فيما شجر بينهم .
قال ابو نعيم: (( فالإمساك عن ذكر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر زللهم ، ونشر محاسنهم ومناقبهم ، وصرف أمورهم إلى اجمل الوجوه ، من أمارات المؤمنين المتبعين لهم بإحسان ، الذين مدحهم الله عز وجل بقوله : (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان )
اذا فالإمساك المشار إليه في الحديث الشريف إمساك مخصوص يقصد منه عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب والخلافات على سبيل التوسع وتتبع التفصيلات ونشر ذلك بين العامة ، أو التعرض لهم بالتنقص لفئة والانتصار لاخرى
وإنما أمرنا بالاستغفار لهم ومحبتهم ونشر محاسنهم وفضائلهم ، وإذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلابد من الذب عنهم ، وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل


موقف أهل السنة و الإجماعه من الصحابة


فإن من أصول أهل السنة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب النبي طاعةً لقول الله سبحانه (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تسبوا أصحابي)

كما أنهم يفضلون من أنفق من قبل الفتح وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل ؛ لقوله سبحانه (لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِين َأَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَ كُلاّ ًوَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)

ويقدمون المهاجرين على الأنصار، حيث إنهم جمعوا بين النصرة والهجرة، يقول الله سبحانه (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَة ًمِمَّا أُوتُوا)الحشر

فالآية بدأت بذكر المهاجرين قبل الأنصار وكذا في سورة التوبة، ولذا فالخلفاء الراشدون والعشرة المبشرون بالجنة من المهاجرين، مع ملاحظة أن هذا التفضيل في الجملة، فقد يوجد في الأنصار من هو أفضل من بعض المهاجرين، وكذا فهم يؤمنون بأن الله قال لأهل بدر (اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، ففيهم قال تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) وهذا الرضا يستلزم موتهم على الإيمان ؛ إذ كيف يرضى الله سبحانه عمن يعلم أنه سيرتد بعد إيمانه ؟ فهذا الرضا مانع من إرادة تعذيبهم ومستلزم لإكرامهم ومثوبتهم، كما أنهم يشهدون بالجنة لمن شهد لهم رسول الله ، ويقرون بأن خير الأمة بعد نبيها هو الصديق رضي الله عنه، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وذلك لما دلت عليه الآثار، وتواتر به النقل عن الصحابة الأطهار، ولهذا فمذهب أهل السنة أن ترتيب الخلفاء في الفضل حسب ترتيبهم في الخلافة، حيث إن الصحابة أجمعوا على تقديم عثمان رضي الله عنه في البيعة لأنها كانت بمشورة الستة الذين عينهم عمر رضي الله عنه

وهم كذلك يحبون أهل البيت ويتولونهم عملاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم(أذكركم الله في أهل بيتي) ويتولون زوجات الرسول ، فهن أمهات المؤمنين اختارهن الله للزواج بأشرف الخلق، ولذا فهن أزواجه في الآخرة وخاصة خديجة بنت خويلد التي آمنت حين كذب الناس، وأعطت حين منع الناس، وصدقت حين كذب الناس، وكذا الصديقة بنت الصديق المبرأة من فوق سبع سماوات، والتي مات رسول الله ورأسه بين سحرها ونحرها، ودفن في حجرتها ونزل الوحي في فراشها، وفضلها على سائر النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام،كما في الحديث

فهم يمسكون عما شجر بين الصحابة من خلاف، فهم إما مجتهد له أجران أو مجتهد له أجر، ففي كل الأحوال هم مأجورون معذورون، فحسناتهم الماحية وسبق إسلامهم وهجرتهم ونصرتهم ومحاسنهم وجهادهم واصطفاء رب العالمين لهم لصحبة نبيه جعلهم صفوة الأمة وأكرمها على الله
هذا هو معتقد أهل السنة تجاه السلف الصالح وخير القرون



أعلم بأن الله اصطفى لنبيه خير الرجال في زمانهم وجعلهم أعواناً وأصحاباً, فكانوا نعم العون وخير الصحب رضوان الله عنهم جميعاً
ولتعلم رحمك الله بأنهم خير الناس وأعلمهم في هذه الأمة فقد أختارهم الله ليصحبوا خاتم النبيين ورسول العالمين ويستحيل أن يأتي ممن بعدهم بخير منهم ولو أتي بكل أنواع الخير, وهذا بأجماع أهل السنة والجماعة من سلفنا الصالح, وذلك بشهادة الشاهد على هذه الأمة نبينا صلى الله عليه وسلم,
قول (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام: تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته( كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ (‏(‏يغزو فئام من الناس فيقولون‏:‏ هل فيكم من صحب النبي صلى الله عليه وسلم‏؟‏‏)‏‏, فيقولون‏:‏ نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون‏:‏ هل فيكم من صحب من صحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقولون‏:‏ هل فيكم من صحب من صحب من صحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم، فيفتح لهم)‏


ولابد أن تعرف أرشدك الله الى الحق, عِظم هؤلاء الرجال كما سماهم الله من فوق سبع سماوات بقوله سبحانه ) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ( فهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه وذبوا عنه كل أذى الى أن نصره الله وأمكنه من نشر دعوة التوحيد ورسالة الاسلام, ثم أكملوا المسير من بعده على خير وجه, فهم السابقون شهود هذه الرسالة رضي الله عنهم وأرضاهم

فمن يستطيع الطعن فيهم بعد هذه الشهادة, ومن يذمهم بعد هذا المدح الرباني
ولكن للأسف تجد بعض المتعالمين اليوم يغفلون أو يتغافلون عن هذا القدر العظيم وهذا المنزلة الجليلة لهؤلاء العظام رضوان الله تعالى عنهم, فيقدحون في صحابة رسول الله تلميحاً لا تصريحاً بل وبعضهم تصريحاً ويحتج بأنهم ليسوا سواء وهم والله سواء في محبتنا لهم والإمساك عما شجر بينهم وذكرهم بالخير والترضي عليهم أذا ذُكروا, بل وفي أخذ العلم عنهم لان العدالة تقاس بهم فكلهم عدول وهذا بإجماع أهل العلم, ولم يخالف لا أهل السوء.

وقد ثبت عن جمع من أهل السنة حجية قول الصحابي أذا لم يخالفة صحابي أخر, ويقدمون قول الخلفاء الراشدين وعلماء الصحابة في حال الاختلاف ما لم يخالف النص من الكتاب أو السنة, (فكيف لا يكون قولهم حجه وهم شهدوا المشاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام وسمعوا القرآن غضاً طرياً بصوت رسول الله عليه الصلاة والسلام, بل هم العرب الاقحاح أهل اللغه الأصليين الذين نزل القرآن بلغتهم المتداوله ذلك الوقت, وقد ظهرت فئة من أهل الضلال هذه الأيام يقولون بل ويدعون الى مراجعة جميع أقوال الصحابة ولم يستثنوا أحداً منهم ساء ما يقولون!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.